فرغلي وحلاق واسماعيل ناقشوا "ساق البامبو" لسعود السنعوسي

 
     ناقش ملتقى الثلاثاء في لقائه الاسبوعي الذي اقيم في جمعية الخريجين الكويتيين رواية الروائي الكويتي سعود السنعوسي »ساق البامبو« الحائزة على جائزة الدولة التشجيعية. الأمسية قدمها الزميل شريف صالح وتحدث فيها الكاتب والروائي ابراهيم فرغلي والكاتب عبدالرحمن حلاق وشارك في الأمسية الاديب اسماعيل فهد اسماعيل.
بدأ الحديث الروائي ابراهيم فرغلي الذي قدم ورقة نقدية للرواية بعنوان »سؤال الهوية والمواطنة والانفتاح على الآخر".. بداية قال:
"لا يوجد مستبدون حيث لا يوجد عبيد"... بهذه الجملة التي تعود للمناضل الفيليبيني "خوزيه ريزال" يُصدِّر الكاتب الكويتي الشاب سعود السنعوسي روايته الجديدة "ساق البامبو", الصادرة عن الدار العربية للعلوم وهي عتبة جيدة لهذا النص, من حيث اختيار قائلها, البطل الفيليبيني الذي تسبب في قيام ثورة تحرير الفيليبين برواية, وبالمقولة المقتطفة عن الاستبداد والعبيد. مع ذلك فليس النص عن الاستبداد والعبيد بقدر ما يتناول استبداد البشر بعضهم بعضاً.
وبالرغم أن هذه هي الرواية الثانية للسنعوسي عقب روايته الأولى "سجين المرايا" التي دشن بها نفسه ككاتب موهوب وواعد, إلا أنها تمتلك الكثير من عوامل النضج الفني, بداية من اختيار المضمون, وكيفية تناوله سردياً, عبر ايجاد عالم زمني ومكاني شاسع يتوزع على جزر الفيليبين التي تشكل جسم ذلك البلد وبين الكويت في زمنها الراهن والمعاصر.
فبطل الرواية "عيسى" كما يطلق عليه أهل الكويت, الذي ينتمي نسباً الى والده الكويتي راشد الطاروف, هو أيضاً "هوزيه مندوزا" كما يعرفه أهل أمه في الفيليبين التي نشأ فيها وعاش حتى شبابه, فقيراً, موزعاً بين هويته التي يعرف, كفيليبيني مسيحي, من عائلة بسيطة, وهويته الأخرى التي لا يعرف عنها شيئاً ككويتي ابن أحد شهداء تحرير الكويت خلال فترة احتلال الأخيرة من قبل العراق.
واضاف فرغلي: تتنقل الرواية عبر ساردها بين ثقافتين, وأظن أن المؤلف نجح نجاحاً باهراً في تقمص البيئة الفيليبينية وتراثها الثقافي في وعي الراوي, وفي الوقوع على نبرة صوت خاصة لكنها صادقة لهذا الفرد الذي لا يعرف العربية. ولكنه يعرف انه ينتمي الى ثقافتها في شكل ما, المسيحي الذي لا يعرف الإسلام لكنه يعي أنه ينتمي إليه على نحو ما. وأظن أن المواضع السردية التي تحمل الصراع الفكري والوجودي لهوزيه حول حقيقة هويته, وحقيقة معنى الدين بالنسبة إليه, خصوصاً بعد انتقاله الى المجتمع الكويتي من المناطق الشديدة الثراء في هذا العمل.
وختم فرغلي ورقته بالقول: الرواية تقدم تشريحاً اجتماعياً مفصلاً للمجتمع الكويتي, ولمحات عن ابرز المحطات التاريخية التي شهدها المجتمع الكويتي في تاريخه المعاصر, وترصد الفارق بين مجتمعين, كان الأول يبدو اكثر تسامحاً مع ذاته وانفتاحاً, ثم مجتمع آخر متشكك في كل شيء, منغلق على ذاته. وتقدم نقداً اجتماعياً لاذعاً للمجتمع الكويتي, في الفترة التي أعقبت الغزو, راصدة التغيرات التي لحقت بالمجتمع وشكلت الكثير من التباينات الطبقية, التي امتدت آثارها حتى الزمن الراهن, كما تخترق الصمت السردي المضروب حول المجتمع الكويتي, المسكوت عنه تقريباً, لتكشف القيود التي يضعها البشر بعضهم على بعض بسبب التراث القبلي والعائلي.
تتسم الرواية التي تقع في نحو 400 صفحة من القطع المتوسط, بإحكام سردي, وبلغة رشيقة معتنى بها, وبتمكن من التفاصيل, والانتقال بين الشخصيات والأزمنة الروائية, ما يؤكد الجهد البحثي والمعايشة التي بذلها الكاتب سعود السنعوسي للثقافة الفيليبينية والمجتمع في الفيليبين. وهي في ظني إضافة مهمة للرواية الكويتية المعاصرة وللرواية العربية الجديدة عموماً, وأظن أن اسم سعود السنعوسي سيكون واحداً من الأسماء البارزة في فضاء السرد العربي في المستقبل القريب جداً.
الورقة النقدية الثانية قدمها عبدالرحمن حلاق بعنوان »القلق الوجودي في ساق البامبو" بداية قال: في روايته الثانية يحجز سعود السنعوسي مكانة متقدمة له تسمح بأن ينظر له كأي روائي محترف, ويثبت انه قادر على التقدم في هذا الفن بخطى واثقة وبذلك يمكن اعتباره واحداً ممن يشار لهم بالبنان اذا ما تحدثنا عن الرواية في منطقة الخليج خاصة.
جاءت الرواية -حسب تقسيم الكاتب- في خمسة فصول اساسية وفصل اخير قصير جدا, كان بمثابة الخاتمة وجاءت الاحداث مرتبة ترتيباً كرونولوجياً يتناسب وتقنية فن السيرة الذاتية الا من بعض الاسترجاعات التي ساهمت بطريقة فعالة في الابقاء على حالة التشويق التي تمسك بالقارئ مشدوداً الى صفحات الرواية. الا ان هذا المخطط الذي اعتمده المؤلف يخفي بين ثناياه مخططاً يخاطب العقل الباطن للمتلقي ويتسرب الى »لاشعوره« بحيث يسمح للرسالة التي تتوخاها الرواية ان تصل بلا عناء الى فكر المتلقي عبر التفاعل الوجداني مع الشخصيات الواردة في النص الروائي, وبناء عليه يمكن تقسيم العوالم التي يبهرك الكاتب في تفاصيلها بحق الى عالمين رئيسيين وبضعة عوالم ثانوية تلعب دوراً مؤثراً في تكوين حالة من القلق الوجودي الذي يعيشه عيسى الطاروف, ويشكل مجموع هذه العوالم المتضافرة صلب المخطط الضمني للرواية فيما اصطلحت بلاغياً على تسميته التورية السردية, وعبر هذه التورية السردية يكشف السنعوسي جانباً مهماً من جوانب التشوه النفسي والاجتماعي في المجتمعين الكويتي والفلبيني على حد سواء.
وعن البنية الحكائية في الرواية قال: لقد عمد الكاتب الى ترتيب حكاية ترتيباً زمنياً متسلسلاً الا من بعض الاسترجاعات, مستفيداً من تقنية فن السيرة بدرجة واضحة وهذا ما جعل من الراوي شخصية مركزية, وجعل من ضمير المتكلم الضمير الاكثر بروزاً في الرواية, فماذا يعني ان يكون الراوي شخصية مركزية? وماذا يعني هذا الحضور الطاغي لضمير المتكلم? وبمعنى اخر لماذا عمد الكاتب الى هذا الخيار?
ولعله من المفيد القول إن تقنية توالد الحكايا تقدم خدمة جليلة للنص الروائي الذي يعتمد ضمير المتكلم, إذ يخفف من سطوة الراوي وديكتاتوريته على بقية الشخصيات وإن كان لا يسمح بتعدد الأصوات, فماض غنيمة كانت تقول وتفعل دون سرد من وجهة نظرها يبرر ما تقوم به من أفعال, كذلك الأمر عند الجد مندوزا وبقية الشخصيات, إذ عبرت الرؤى جميعها من خلال شخصية الراوي الذي اتسم بدرجة عالية من الصدق مع الذات وبشفافية واضحة.
وختم حلاق ورقته قائلاً: الفائدة الأخرى التي تقدمها لنا هذه التقنية (توالد الحكايا) فتكمن في ضمان وجود التكثيف اللغوي أثناء سيرورة السرد وبذلك يتخلص المسرود من أي حالة استطراد أو ترهل أو حشو زائد والعيب الوحيد الذي يمكن أن يقع فيه كاتب ما وهو يستخدم هذه التقنية هو أن تكون إحدى الحكايات بعيدة بمجملها عن السياق العام للرواية وهذا ما لا نجده في "ساق البامبو".
وقدم الأديب والروائي إسماعيل فهد إسماعيل ورقة تحدث خلالها عن الروائي سعود السنعوسي وكيفية ارتقائه إبداعياً بعد روايته الأولى التي قال عنها إسماعيل انها افتقدت الحس الكويتي في أحد أجزائها وكتب قائلاً: إن »ساق البامبو« واصل فيها السنعوسي ككاتب شاب إبداعه وقفز نحو نص جيد ومدروس استطاع من خلالها أن ينال إعجاب المتلقي, وأن ترشح روايته أيضاً لجائزة البوكر العربية. وقدم الروائي السنعوسي مداخلته في حديث بسيط استعرض خلالها كيفية ومدة كتابة الرواية وظروف كتابتها والعوامل المؤثرة التي صاحبت العمل الروائي. ثم أجاب على أسئلة الحضور التي دارت في سياق الأمسية نفسها من تداول العمل الروائي وظروفه وعن ما يقدمه السنعوسي مستقبلا بعد أن حظيت روايته محل النقاش على جائزة الدولة.

المصدر:

 

 
رابط الموضوع في جريدة السياسة - PDF

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مدينة الأحلام

هلا فبراير .. إلى من يهمه الأمر!

كيف تغني الكويت من دون صوتها؟