الربيع العربي يعصف بالثقافة «التقليدية»

 
ليلاس سويدان

 
بداية العام الحالي قدمت الصفحة الثقافية تقريرا بعنوان «الثقافة تنزل الى الشارع .. فمن يلحق بها؟» كان التقرير يشير إلى تغير رهانات الثقافة التي اقتصرت طوال عقود على الاحتفاء بـ«الثقافة العليا» ممثلة غالبا في الانتاج الروائي والشعري والنقدي، في مشاكسات الكتاب، ومفاجآت الجوائز، في صراعات «الشللية» النخبوية، وفضائح الرقابة على الكتب والمصادرات. لكن «الربيع العربي» بما هو أضخم حراك عربي جماهيري متزامن تشهده المنطقة، جعل هذه الاحداث تتراجع الى خلفية المشهد الثقافي، برز الصراع السياسي لأول مرة حاملا خطابا ثقافيا شعبيا تتواجه فيه كل الأفكار والممارسات الاجتماعية التي كانت تدور في فلك مغلق أو بعيد عن الرصد.
انتقل ثقل الحراك الثقافي من صراع نخب، إلى صراع وجود، خاصة بعد تمكن الحركات الاسلامية من تسلم الحكم في أكثر من دولة، أو مشاركتها الجلية في الحراك الشعبي في أخرى، وكأننا أمام صراع حضاري ظل يترقب لحظة الانفجار التي واتته بعد التخلص من السلطة القديمة.
هكذا رغم ما شهدته الكويت من أحداث ثقافية تستحق التنويه، بدا معظم الكتاب في رؤيتهم لـ«حصاد العام» الذي يوشك أن يودعنا، مشغولين بهذا التحول الثقافي رغم التفاتهم بين حين وآخر الى إحدى العلامات الثقافية البارزة لعام 2012.
 
تكرار ممل
 
يقول فاخر سلطان - عضو مركز تنوير:
لا أجد أحداثا لافتة على المستوى الثقافي في الكويت أو في الوطن العربي بالنسبة لعام 2012، فغالب ما حضرت وشاهدت وسمعت كان تكرارا مملا وغير منتج لأنشطة سابقة تاريخية، إن صح التعبير.. لكن ما يلفت نظر كل مراقب للشأن الثقافي هو تمازج الثقافة بالسياسة بالاجتماع، فيما يخص الحراكات العربية في هذا العام، ومنها الحراك الشبابي في الكويت.
لذا أجد أن موقع التواصل الاجتماعي، تويتر، هو بحق أبرز ما يميز عام 2012 محليا وعربيا على الصعيد الثقافي، والسياسي، ثم الاجتماعي. فقد لعب دورا مؤثرا ما جعله المساهم الرئيسي في دفع حركة الحريات، وفي رفع سقف التعبير، وفي جعله نشطا، غير آبه بالتهديدات التي تصل المنتمين إليه أو المتوقع أن تصلهم. فأسهم في إيجاد علاقة طردية بينه وبين الرؤى الثقافية والمطالب السياسية، فكان الحجر الذي حرك ماء الحقوق شبه الراكدة بحيث استفاد من ذلك مختلف التوجهات والرؤى والأطياف. لذلك أعتبره، بحق، النجم الثقافي، ثم السياسي، الأبرز محليا وعربيا في عام 2012.
 
نقطة تحول
 
الناقد د. مرسل العجمي يرى:
 
- أن الحراك والثورات الشعبية التي حدثت في العالم العربي غطت على النشاطات الثقافية التقليدية، حيث أصبح هذا الحراك هو محط أنظار شعوب العالم كله.
أعتقد أن هذا الحراك يشكل نقطة تحول في مجمل التاريخ العربي، حيث أسقطت الشعوب أنظمة لا تريدها وجاءت بشعرية جديدة لا تزال تتخلق في الوقت الراهن. هذه اللحظة المفصلية التي ستمس الشأن الثقافي مسا عميقا لأنها تجاوزت مرحلة الثقافة التقليدية وتؤسس لحراك ثقافي شعبي سينتج ويؤثر وسيتبلور في السنوات القادمة. الثورات هي جوهر الثقافة، وهذا الحراك يمثل أفقا جديدا يعتمد على المشاركة الشعبية ولعله في هذا السياق ذو بعد ثقافي وهو الفاعل والمؤثر.
 
جذوة ستشتعل
 
ويقول الأديب والناقد د. سليمان الشطي:
 
- من الصعب تحديد أهم الأحداث، خاصة أن الظروف السياسية أو ما سمي بالربيع العربي أحداثه غطت تماما على أي نشاط أدبي، ومن الصعب القول ان هناك حدثا أدبيا استطاع أن يصل إلى صدر الساحة العربية، رغم ان النشاطات مستمرة وكما كانت في السابق.
على المستوى المحلي، صدرت العديد من المؤلفات الأدبية الابداعية ويكفي أن أشير إلى ديوان نشمي المهنا، ورواية سعود السنعوسي التي أخذت مكانها على القائمة الطويلة لجائزة البوكر، وكذلك حصول ليلى العثمان وغنام الديكان على جائزة الدولة التقديرية، وهما يستحقانها. وقبل حوالي أسبوعين اختتم مهرجان المسرح الذي لاحظنا أنه من أنجح المهرجانات، وقد شاهدنا عروضا ممتازة مثل العرض الفائز وعرض نرفانا ومستوى رفيعا يبشر بعودة قوية للمسرح إذا استمر بهذا الشكل.
الأنشطة مستمرة وقد لا يكون الناس أحسوا بها نتيجة الأحداث المتسارعة المحلية والعربية، وحتى أنا، متابعة الحدث السياسي غطت على متابعة الحدث الثقافي قي تلك البلاد التي تجري بها الأحداث.
أعتقد ان التحولات السياسية هي الحدث الثقافي الأول، ويمكننا أن نقول انه الجذوة التي ستشتعل منها أنشطة ثقافية قادمة.
 
إسقاط الرموز
 
القاصة منى الشمري تقول:
 
- دعيني ابدأ عربيا، حيث مر عامان على بداية الثورات العربية، أو ما يعرف بالربيع العربي، لنجد الناس مشغولين عن الأدب بمحاربة أنظمة مستبدة ودكتاتوريات متأصلة، حتى معارض الكتب في العالم العربي شهدت تراجعا كبيرا، الشارع العربي مشغول عن القراءة بالتحليل والاستشراف لما يدور حوله، وهذه الثورات أسقطت رموزا ثقافية وأسماء كبيرة في وحل الصمت إزاء ما تتعرض له الشعوب من قمع، بل إبادة من بعض الأنظمة كنظام بشار الأسد، ومن هذه الاسماء أدونيس وغادة السمان وغيرهم، بينما لعب غيرهم دور الأبواق للطواغيت حين تستدعيهم السلطة لنشر حقائق مزيفة ضد الإرادة الشعبية وحراكها السياسي، وهذا ما عبر عنه الأديب جورج اورويل في روايته 1948، ليخذلنا المثقفون العرب فيما يدور من حراك مجتمعي والدخول في المنظومة السلطوية الحاكمة مثل جابر عصفور وغيره، بينما على الجانب الآخر نجد من حاربه النظام القمعي مثل رسام الكاريكاتير المبدع علي فرزات بسبب مواقفه المناوئة للنظام السوري الذي عرضه للخطف والاعتداء وتهشيم اصابع يده، والذي منح أخيرا جائزة جبران تويني لحرية الصحافة لعام 2012.
ولهذا نستطيع القول انه لم يكن عاما ثقافيا، والدليل اننا حتى الآن لم نجد مخرجات ادبية تليق بهذه الثورات.
 
إضاءات جميلة
 
وترى الشمري الى خلو الساحة العربية من الأحداث الثقافية البارزة منذ فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل، فلم يحدث بعدها الا الانتظار ومتابعة قوائم التوقعات على استحياء.
وتعتبر أن الكويت لم تكن استثناء فيما يتصل بالحراك الشعبي والثقافي العربي، وبرز ذلك في معاناة دور النشر في معرض الكتاب هذا العام من قلة رواد المعرض.
لكنها أشارت الى بعض النقاط المضيئة مثل ولادة الملتقى الثقافي الذي يديره الروائي طالب الرفاعي، ووصول رواية «ساق البامبو» للروائي سعود السنعوسي للقائمة الطويلة في جائزة البوكر، كأول رواية كويتية تصل لهذا السقف، كما اعتبرت أن جوائز الدولة التقديرية والتشجيعية لهذا العام قد ذهبت لمستحقيها فعلا.
أما الأحداث السيئة برأيها، فتمثلت في حجب جائزة ليلى العثمان الأدبية لهذا العام بسبب تدني مستوى الكتب المتقدمة للجائزة، وهذا ما يعطي مؤشرا على انتشار الأدب الرديء بين الشباب في الكويت. كما انتقدت تغافل مؤسسة التقدم العلمي السنوي عن منح جوائزها في مجال الآداب، واعتبرته تغييبا متكررا ومتعمدا للكويتيين بسبب حالة الكسل والخمول التي تسيطر على لجنة الجائزة التي تفضل حجب الجوائز على قراءة مجموعة من الأعمال وفرزها، وإعطاء المستحق منها الجائزة وبهذا يتم إقصاء المبدع الكويتي عن جوائز بلده.
 
حدثان لافتان
 
من جهتها، ترى القاصة استبرق أحمد:
 
- أنه رغم عدم وجود أحداث بارزة عربيا، لكن هناك حدثين قريبين، وأيضا فريدين في المشهد المحلي، كلاهما يخصان «مسابقات الجوائز الأدبية»، أحدهما قيام االأديبة ليلى العثمان بحجب جائزة مسابقتها المخصصة لإنتاج الشباب، «فإزاء شجاعتها ووفق قناعتها، أكدت أن الحجب هو أحد أفضل الحلول وأكثرها إلحاحا (أحيانا)».
هذه الجرأة، برأي استبرق، تعبر عن ضرورة الارتقاء بالجائزة والنص، سواء اتفقنا أو اعترضنا على تقييمها للنصوص المقدمة لهذا العام، والتي شخصيا كنت أظن أن أحد هذه النصوص قريب من الفوز.
أما بالنسبة للخبر الآخر، فهو أن الكويت بعد أن تم الالتفات إليها في الأعوام السابقة من قبل جائزة البوكر العربية، عبر ترؤس الأديب طالب الرفاعي للجنة التحكيم الخاصة بالجائزة عام 2010، تم إدخالها في متن المنافسة لأول مرة هذا العام، كمرشح في القائمة الطويلة لجائزة البوكر، ليمثلها الكاتب الشاب سعود السنعوسي، بروايته «ساق البامبو» والذي أيضا نهنئه بحصوله على جائزة الدولة التشجيعية على النص نفسه.
 
هوامش بلا صدى
 
الروائية ميس العثمان تقول:
 
- لا اظن بأن هناك احداثا مهمة محليا او عربيا، كل ما حصل «ترضيات» من الجانبين. وحده العالم الغربي يقدّم منافعه للدنيا، محليا وعربيا طغت الاحداث السياسية على المشاهد الاعلامية بشكل كبير جدا، بحيث صارت حتى معارض الكتب كأنشطة منتظرة دوما انما هوامش لا صدى لها ولا ردات افعال.
العالم العربي، ولا استثني الكويت، يعيش فترة شبيهة جدا بعصر النهضة للخروج من سلطة القهر، فتخيلي أين نحن - فعليا- من العالم المتحضّر؟ لا يوهمك امتلاك اكثرنا تخلفا لجهاز ذكي وسيارة احدث طراز، وكأننا نظراء للعالم « النظيف» فالامر ليس سوى «تقدم تقني» يأتي به «مال كثير» مما يخلّف بيننا وبينهم «هُوّة ثقافية» واسعة جدا.. فأي الاحداث الثقافية «الأهم» يجب أن أمتدح؟ الفعاليات الباهتة؟ ام المسؤول غير المناسب على رأس المؤسسات المعنية بالفكر؟ ام جوائز ترمى هبلا كترضيات بائسة وتسويات؟ ام متاحف تشكو النوم من بؤسها؟ ام معارض كتب عوّقتها «الرقابة»؟ أم برامج ثقافية كلعبة الكراسي من صديق لآخر بكلام فارغ؟
 
حراك محلي
 
من جهته، يقول الروائي سعود السنعوسي:
 
يهمني بالدرجة الأولى المشهد الثقافي المحلي، رغم الكثير من الإخفاقات فإن عام 2012 شهد الكثير من الأحداث الثقافية المهمة.
بشكل عام أجد أن أكثر الأمور إيجابية هو المسلك الجديد الذي بات واضحا في المشهد الثقافي الكويتي، ممثلا بنوادي القراءة والملتقيات الثقافية التي، وإن تنقص بعضها الخبرة، إلا أنها حركت المياه الثقافية الراكدة محليا.
هذه السنة شهدت أمورا عدة تصب في مصلحة الحركة الثقافية، والفضل فيها يعود، غالبا، للأفراد، كولادة نواد وملتقيات جديدة، لعل من أبرزها «الملتقى الثقافي» الذي يديره الأديب طالب الرفاعي، ومنتدى «قادمون» الثقافي.
هذا إلى جانب ولادة دور نشر محلية تقوم على سواعد الشباب، نأمل أن يكون لها دور فاعل في دعم المبدعين من الكتاب الشباب بالدرجة الأولى.
 
هذا بالإضافة لتدشين الموقع الإلكتروني الثقافي قُدمُس الذي يديره الزميل عبدالوهاب الحمادي، وإقامة العديد من الأنشطة الثقافية كمعارض الكتاب المصغرة، وكان من أبرزها معرض «إحياء مكتبتي» الذي جاء بمبادرة من القاص يوسف خليفة.
وعلى صعيد الأشخاص، أرى ان هناك الكثير من المؤشرات الإيجابية كان لبعضها صدى خارج الكويت كاختيار الشاعرة سعدية مفرح، من قبل صحيفة الغارديان، لتمثيل الكويت في خارطة الشعر العالمي، واختيارها أيضاً في باريس لتمثيل شعرية المرأة في الكويت، وذلك في موسوعة فرنسية جديدة.
كما يعتبر فوز الأديبة سعداء الدعاس بجائزة نازك الملائكة للقصة القصيرة في بغداد إنجازا يُحسب للكويت، ولعل ارتباط اسميّ الكويت والعراق في خبر ثقافي هو أبرز ما حققته الدعاس لتثبت ان الثقافة تحقق ما تعجز عنه السياسة. كما أن جائزة الدولة التقديرية، على وجه الخصوص، كانت مغايرة هذه السنة بشهادة الكثير الذين يرونها استحقاقا لأسماء تأخر تكريمها كثيرا من قبل الدولة. كما أن الساحة شهدت الكثير من الإصدارات التي لاقت استحسانا وإقبالا كبيرا أثناء معرض الكتاب، لعل من أبرزها رواية الأستاذ إسماعيل فهد إسماعيل الأخيرة «في حضرة العنقاء والخل الوفي» ومجموعة القصص «يسقط المطر.. تموت الأميرة» للقاصة منى الشمري.
 
المصدر:
 
 
 
 

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مدينة الأحلام

هلا فبراير .. إلى من يهمه الأمر!

كيف تغني الكويت من دون صوتها؟