بين خجلنا وذنبكم!


سعود السنعوسي:

الإبداع والجمال يدمرهما الإهمال، وفيما كنت أحسب ان الدولة تحارب كل ما يتعلق بالثقافة والفنون، اتضح لي ان شيئا من هذا غير صحيح، فالإبداع ليس بحاجة إلى حرب تدمره، فالأمر أبسط من ذلك، لأن الإهمال وحده كفيل بتدميره، فلك أن تتخيل لوحة فنية مهملة، داخل كيس أسود، في خزانة قديمة، أو قصيدة في ديوان شعر ملقى على رف حاصره الغبار، أو مسرحية ظلت حبيسة الأوراق، لم يجد طاقمها داعما لهم ليفجروا طاقاتهم إبداعا على خشبة المسرح، فأين هي القيمة في كل تلك الأشياء، أو كما يقول توفيق الحكيم: «ما قيمة الموجود إن لم يكن معلوما؟». ليتهم، هنا في الكويت، يحاربون الإبداع، لأن الحرب تشتعل لتغيير وضع قائم، ومتى ما قامت الحرب على الإبداع أيقنا بوجوده، واستشعرنا قوته وخطورته على البعض، ولكنه الإهمال، كم هو محبط ومخيب للآمال.
إذا ما تحدثنا عن دور الدولة في هذا المجال فاننا نتحدث عن دور المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ولا أود أن أنسف إنجازات المجلس منذ نشأته في دعم كل ما يتعلق بالثقافة والإبداع، فحالة الإحباط التي تنتابني، وأنا أكتب هذه السطور، لا تبرر لي إغفال إنجازات المجلس في زمن ما، ولكن، لا يمكن أن نتوقف عند ذلك الزمن، دون العمل على تفعيل دور المجلس الوطني بشكل حقيقي ملموس يغيّر المشهد الثقافي في الكويت، ويدفع به نحو الأفضل، فالوضع بات بائسا، لا يليق بسمعة وطن، فالكويت، دائما، تستحق الأفضل.
تحدثت في مقالة سابقة عن شعور يشبه الخجل يستوطن أعماقنا، نحن الشباب، لجهلنا بثقافة المكان الذي ننتمي إليه، ولانصرافنا عما يزيدنا قيمة، ولكن، ليس كل الذنب ذنبنا، فالدولة تتحمل الجزء الأكبر من الذنب، فالإهمال الذي يعانيه الشباب لن يتوقف عند تحطيم آمالهم، بل يتجاوز تأثيره ذلك، ليحطم آمال وطن يسعى للظهور بشكل مشرف بين الأمم.
أتابع منذ فترة، بما يشبه الحسرة، أنشطة المجلس الوطني، وأبحث عن جديد من دون جدوى، فيجب ألا يقتصر دور المجلس على القيام ببعض الأنشطة الثقافية ليحضرها ويشارك فيها النخبة، بل ان الدور الأساسي، كما أعتقد، هو استقطاب شريحة جديدة، بعيدة عن الشأن الثقافي، وأنا أعني الشباب، لتحويله إلى شيء يثري ثقافة بلده، وهنا يكمن التحدي والإنجاز، أن تصنع شيئا من لا شيء.
يغمرني السرور كلما رأيت تلك المحاولات الفردية لدعم الشباب، من قبل بعض المثقفين، كإقامة الملتقيات الأسبوعية، أو مجموعات القراءة، أو جوائز القصة والرواية، ولكن، سرعان ما أدرك بأن كل تلك المحاولات لم تأت. من أصحابها لولا شعورهم بتقصير الدولة في القيام بواجبها تجاه الشباب بالشكل الصحيح، فكم أتمنى أن أقرأ أو أسمع عن دورات تدريبية أو ورش عمل للقصة والرواية والمسرح لرعاية ودعم الشباب الكويتي المبدع، أتمنى أن يتم احتضان ابداعاتهم، والتسويق لها، أتمنى أن أشاهد حملات إعلانية ضخمة تشجع الجيل الجديد على القراءة وحب الكتاب. أنا أتمنى، وغيري يتمنى، ولكن، من سيلتفت إلى أمنياتنا هذه؟
هيا، فكفاكم إهمالا وتضييعا للوقت على حساب الوطن.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مدينة الأحلام

هلا فبراير .. إلى من يهمه الأمر!

ابتسامات مبعثرة في سماء غزَّة