أسد الجزيرة

 سعود السنعوسي:

بالرغم من انه لم يعرض على أي قناة فضائية أو أرضية، وبرغم المشاكل التي حالت دون عرضه على شاشات التلفزيون، الا ان مسلسل أسد الجزيرة قد احتل حيّزا لا يستهان به من حيث نسبة المشاهدة، هذا بالنسبة للأعمال المحلية بالطبع. لا أستند في هذه المعلومة على أي دراسة أو احصائية لأعلى نسبة مشاهدة للمسلسلات خلال شهر رمضان المبارك، بل تكوّنت لدي هذه الفكرة ممن هم حولي، حيث لم أسأل أحدا عن هذا العمل – أسد الجزيرة – إلا وأخبرني بأنه يملك نسخة من العمل أو انه بانتظار وصول نسخته.
أما بالنسبة لي، فقد شاهدت العمل كاملا في مدة لم تتجاوز الثلاث أيام. قد يحتاج عمل بهذا الحجم لمشاهدة دقيقة ومتأنية، ولأكثر من مرة، لتكوين انطباع عام عن العمل وتقييمه، وبما اني لست ناقدا فنيا، وقد لا أملك أسس تقييم الأعمال الفنية، فانني سأكتب وجهة نظري حول هذا العمل كمشاهد لا أكثر، وسأكتب وجهة نظري حول المسلسل من الناحية الفنية أولا، ثم الناحية التاريخية بشكل موجز.
أعتقد أن ما شاهدته في هذا العمل الضخم انتاجيا وفنيا من اخراج وتصوير ومقدمة غنائية وموسيقى تصويرية، يجعله يتربع على قمة الأعمال المحلية التي قدمت من قبل، وهذه وجهة نظر شخصية بالطبع. أما بالنسبة للممثلين فلا يمكنني أن أتطرق لأدائهم التمثيلي في هذا المقال لأنه يتطلب بلا شك صفحات كثيرة. فقد أبدع البعض في أداء الشخصيات، بينما فشل الآخر في اقناعنا بدوره. أما بالنسبة للموقع فقد كان قطعة من الكويت القديمة بالفعل، رغم اني لم أرها في حياتي، إلا ان الجو العام للموقع كان مقنعا ومقاربا بشكل كبير لما نعرفه ونشاهده في صور كويت الماضي.
هناك العديد الأمور التي تعيب المسلسل، كغيره من المسلسلات بالتأكيد، منها الاستعانة بممثلين سوريين لأداء شخصيات كويتية، وقد كان واضحا عدم اتقانهم للهجة المحلية كما ان ملامحهم لا تساعدهم على أداء أدوار كهذه. هذا لا يجعلنا نتغاضى عن إبداع الممثلين السوريين الذين قاموا بتمثيل الشخصيات التركية باتقان وعلى رأسهم الفنان سلوم حداد. أما ما لفت انتباهي في المسلسل هو قلة الممثلين الكويتيين نسبيا، فقد تصدى العديد من الممثلين الخليجيين لتمثيل شخصيات كويتية معروفة رغم كثرة الفنانين الكويتيين الذين يصلحون لأداء هذه الأدوار.
أما من الناحية التاريخية فأجد أن المسلسل هو مسلسل وثائقي، يوثق تلك الحقبة من تاريخ الكويت بطريقة أخرى هي أبسط كثيرا مما قرأناه في الكتب حول تاريخ الكويت، لأن المسلسل يتطرق لأهم الأحداث دون ذكر الأحداث الهامشية التي قد تحتويها كتب التاريخ، ولكن هناك أحداث كان من الضروري عدم إغفالها في هذا العمل، لأنها تعتبر من الأحداث المهمة، ولعل مقتل الشيخين محمد وجراح هو من أبرز هذه الأحداث، أنا لا أعني أنه كان من المفترض أن يُظهر لنا المسلسل مشهد القتل مثلا، ولكن كان من الضروري التطرق لهذا الموضوع ولو شفهيا بين شخصيات العمل، فأنا لا أرى في التطرق لموضوع قتل الشيخ مبارك أخويه أية مشكلة، لأنها حقيقة تاريخية لم يحاول، حتى أصحاب الشأن، وأنا أعني الأسرة الحاكمة، تغييرها وتزييفها كبعض الأنظمة الأخرى، فالكل في الكويت يعرف تفاصيل هذه الحادثة. ولكن العمل ظهر وكأنه يحاول ابعاد المشاهد عن هذه القضية، فأول مشهد في المسلسل كان يصّور رجال الشيخ مبارك في "الفرجان" والأسواق وهم يصيحون بالناس معلنين: "الملك لله والشيخة لمبارك الصباح". هكذا كانت بداية المسلسل هي بداية حكم الشيخ مبارك، دون ذكر شيء من أمر الشيخين محمد وجراح، ثم انتقلت الأحداث بسرعة إلى يوسف الإبراهيم، والذي قام الفنان عبدالرحمن العقل بأداء شخصيته. وأعتقد ان المؤلف قد أخفق في نقل بعض الأحداث أو تغاضى عنها، منها السبب الفعلي لخروج يوسف الإبراهيم من الكويت، حيث أظهر لنا العمل ان العداء القديم بين الشيخ مبارك ويوسف الإبراهيم هو ما أجبر الأخير على الفرار من الكويت تجاه العراق لاعداد نفسه للهجوم على الكويت والإطاحة بالشيخ مبارك بعد أن أصبح الأخير حاكما لها. وقد خرج الإبراهيم بالفعل من الكويت اعتراضا على تولي الشيخ مبارك حكم الكويت، ولكن ليس بسبب العداء القديم كما يظهر لنا المسلسل، بل دفاعا عن أبناء أختيه اللذين قتل الشيخ مبارك أبويهما. فكما هو معروف أن علاقة نسب تربط الشيخين محمد وجراح بيوسف الإبراهيم. ورغم ان المسلسل يضم مشهدا أو أكثر لأكبر أبناء الشيخ محمد وهو ينادي يوسف الإبراهيم بـ: "يا خال"، إلا أن أسباب خروج الإبراهيم من الكويت كانت غير واضحة في المسلسل.
أما المأخذ الأخر فهو المبالغة في إظهار كره يوسف الإبراهيم للكويت والكويتيين على الرغم من أن العداء كان محصورا بين يوسف الإبراهيم والشيخ مبارك، حتى عندما حاول الإبراهيم الاستعانة بالحكومة التركية، لم يكن ذلك كرها للكويت والكويتيين بل للإطاحة بحكم الشيخ مبارك لأنه كان يرى الأحقية في الحكم لأبناء الشيخين محمد وجراح. ولكن البعض يرى أن محاولة الإطاحة بحكم الشيخ مبارك بحد ذاتها هي تدمير للكويت، لذلك رأوا في محاولات يوسف الإبراهيم خيانة للكويت، وهذا رأي آخر.
أما الشخصية الأخرى التي أثيرت حولها المشاكل، بل طالب البعض عدم إتمام وعرض العمل بسببها، هي شخصية الأمير عبدالعزيز الرشيد، حيث كان يخشى البعض عدم إنصاف هذه الشخصية تاريخيا أو عدم إعطاءها حقها، رغم ان المسلسل ذكر معركة الصريف وانتهاءها لصالح بن رشيد. كما اتهم البعض المسلسل بأنه لم يظهر سوى جزء صغير من تاريخ بن رشيد، وهذا صحيح دون شك ولكن العمل يتحدث عن الكويت في زمن الشيخ مبارك، لذلك لن يركز المسلسل على تاريخ الأمير عبدالعزيز بن رشيد سوى في ما يربطه بالشيخ مبارك والكويت. حيث ان شخصية كشخصية الأمير عبدالعزيز الرشيد تحتاج كغيرها من الشخصيات التي ظهرت في العمل إلى مسلسل مستقل بذاته. ولعل الملفت في المسلسل أيضا هو عدم التطرق للأمير بن سعود سوى مرتين وذلك عن طريق ذكر اسمه فقط دون ظهور من يمثل شخصيته في العمل رغم قربه من الأحداث في تلك الحقبة وملازمته للشيخ مبارك في كثير من الأحيان.
في النهاية، لا أعتقد أن الهدف من هذا العمل هو توثيق لسيرة الشيخ مبارك الصباح مؤسس دولة الكويت فحسب، بل بدا واضحا لي أن العمل يهدف بالدرجة الأولى إلى إثبات أن الكويت لم تتبع يوما الدولة العثمانية، وهذا ما يدحض الادعاءات التي تقول بتبعية الكويت للعراق التي كانت تتبع الدولة العثمانية في تلك الحقبة، وهذا ما وفق فيه المؤلف إلى حد ما.
العمل بشكل عام يضم العديد من الأحداث التاريخية التي مرت بالكويت في تلك الحقبة، ويبقى تقييم العمل من الناحية التاريخية أمرا في غاية الصعوبة، إلا انه من الناحية الفنية، رغم بعض الأخطاء، أجده من أروع الأعمال المحلية، هذا ان جاز لي أن أعتبره من الأعمال المحلية، لأن العمل، كما رأيت، عبارة عن عمل عربي مشترك قدم لنا في النهاية قيمة "فنية" لا نلمسها في كثير من المسلسلات.

نشرت في:


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مدينة الأحلام

هلا فبراير .. إلى من يهمه الأمر!

كيف تغني الكويت من دون صوتها؟