المشاركات

أردناها منارة .. أرادوها مغارة!

صورة
سعود السنعوسي: بينما كنت أتصفح موقع القبس، الصفحة الثقافية، على الإنترنت، وقبل أن ألمح حرفا واحدا مما جاء في العنوان العريض الذي يتصدر الصفحة، أصدرت سمّاعات الكمبيوتر صوتا ينبّه إلى وجود رسالة جديدة في بريدي الإلكتروني. أخذني الصوت، بعيدا عن القبس، إلى صندوق الرسائل الواردة. كانت رسالة خاصة من أحد الأصدقاء في المغرب، ختمها في الحديث عن الكويت ودورها الثقافي في المنطقة، وعن متابعته وحرصه على اقتناء إصداراتها الثقافية، وعلى رأسها مجلة العربي. كنت أشعر بالانتفاخ مع كل كلمة جميلة تقال في الخارج بحق بلدي، ضعف تأثير الجاذبية، ارتفعت عن كرسي المكتب، بعد أن تملكتني مشاعر جميلة، شعرت وكأني بالون كبير مملوء بالسعادة. وددت لو أحبس أنفاسي في رئتيّ كيلا أطرد شيئا من السعادة الداخلية التي كنت أنعم بها في ذلك الصباح. تركت صندوق الرسائل وعدت إلى خبر القبس، وليتني لم أعد. كان الخبر دبّوسا عملاقا اخترق جداري، ليفرغ كل ما كنت حريصا على الاحتفاظ به في داخلي، ولأجدني أمام شاشة الكمبيوتر، وبقايا البالون متناثرة حولي. والخبر كما قرأت كان حول اعتذار الروائي السعودي عبده خال عن تلبية دعوة معرض الكويت للكت...

أوقفوهم!

صورة
سعود السنعوسي: الفن، بشكل عام، إذا كان حقيقيا، وإذا وظّف بشكل صحيح، يصلح ما تفسده اختلافاتنا، على أنواعها، السياسية أو الدينية أو الفكرية، وحتى لا يرى البعض مبالغة في رأيي، سأقول، ان الفن وإن لم يصلح ما أفسدته تلك الاختلافات، فانه، على أقل تقدير، يصرف انتباهنا عنها ليجعلنا نتفق على شيء واحد وهو الإبداع. فكوني مسلما لا يمنعني من أن أبدي إعجابي بالأشكال الفنية التي تزيّن جدار كنيسة ما، ولا أرى ما يمنع المسيحي من أن يقرأ رواية لكاتب بوذي، كما ان المعارض الفنية والمسارح ودور الأوبرا تستقطب متذوقي الفن على اختلافاتهم الدينية والسياسية والفكرية. وإذا ما جئت للحديث عن الفن والسياسة، فلا أجد مثالا أقرب من واقعنا قبل سنوات قليلة، فرغم سنوات القطيعة بين الكويت والعراق، بعد الغزو، فانك تستطيع، دون جهد، أن تلاحظ دور الفن رغم القطيعة التي دامت سنوات، سواء في حفلات عبدالله الرويشد في جرش والتي تغص بالجماهير العراقية، أو في حفلات كاظم الساهر في أوروبا ومصر والإمارات والتي كانت تغص بالجماهير الكويتية، تلك الجماهير المتذوقة للفن، والتي جاءت من أجل الفن، دون تفكير في أمور أخرى. ليس الأمر محصورا في ...

وقت وعدّى والعمر بس هذا حدّه

صورة
سعود السنعوسي: ارتبط اسمها في مخيلتي بأيام لا يمحوها الزمن، أيام الطفولة المبكرة، حين كان جدي لوالدتي ينتهز فرصة حضوري في «زوارة الخميس» من كل أسبوع ليجلسني بقربه، وكنت لا أتجاوز الخامسة آنذاك، كان يسكت الجميع معلنا بدء وصلتي الغنائية الأسبوعية، لأنطلق مرددا: «رفرف يا علم بلادي .. فوق السهل والوادي»، كان ذلك يتكرر كل أسبوع، وسط ضحك الأهل واندهاشهم لأدائي الحركي والتعابير التي تحتل وجهي أثناء الغناء. لم يستمر ذلك طويلا، فقد أصبح الأمر عاديا لا يلفت انتباه أحد سوى جدي بسبب تكرار المشهد ذاته كل أسبوع. أزعجني انصرافهم عني، رغم عدم وجود منافس، ولأنني، ورغم صغر سني، كنت أعرف ان التكرار يصرف الجمهور عن الفنان، فقد اخترت نمطا آخرا للغناء، لألفت الانتباه إلى موهبتي من جديد. جهز لي جدي مكانا بقربه كعادته، لأنطلق بعدها مسلطنا مبهرا الجميع: «انت بديت انت تتحمل .. والا نسيت ان الزمن ضدك تحوّل؟» تضج الصالة بالضحك، ثم أشير إلى عينيّ بإصبعيّ الصغيرين: «من الأول وأنا عيوني تشوف» واضعا كفي الصغيرة على صدري وتعابير الأسى تحتل ملامحي: «من الأول وقليبي يتحمل» لأختم بعد ذلك: «وتبيني بالصبر هم أتجمل؟ تبدل...

نورة .. والمدينة الحلم

صورة
قصة قصيرة بريشة: آن غوفن سميث سعود السنعوسي: وقفت أمام البحر هناك، لا يفصل بيني وبينه سوى باب زجاجي، وبضعة أطفال يلهون فوق الرمال البيضاء، يبنون البيوت، ويحفرون القنوات المائية وكأنهم يشيّدون مجسما لمدينة أحلامهم. كنت أشاهد المنظر من خلف الزجاج، وكأني أمام شاشة عملاقة، كانت نورة تزيّن واجهات البيوت بالقواقع والصخور البحرية، في حين كان محمد منهمكا بصناعة عجينته الطينية، يقوم بصنع الكرات ويناولها لمريم التي كانت توصلها لناصر وصالح ليقوما ببناء المزيد من البيوت. في تلك الأثناء، يقوم أحدهم بتشغيل جهاز التلفزيون، لم أنتبه له، فكل حواسي كانت مع الأطفال، كنت لا أرى سوى بيوت المدينة ترتفع وتملأ المساحات فوق الشاطئ، وبقع الطين على ثياب الأطفال، ولا أسمع سوى ضحكاتهم ممزوجة بهدير أمواج البحر، تشكل سيمفونية لا تدركها الحروف الموسيقية السبعة. يرتفع صوت المذيع من ورائي، وأحاول أن أصب تركيزي على سيمفونية الأطفال والطبيعة، ويصر ذلك الصوت النشاز على طرق أبواب سمعي ليدخل عنوة مفسدا علي تلك اللحظات التي أنعم بها، ثم .. بدأت الأمور تأخذ منحنى آخر، ارتفع صوت المذيع، أغمضت عينيّ، أخذ يصرخ، وبدأ صوته ير...

خنفساء ومكتبة خضراء

صورة
سعود السنعوسي: لا شك ان أطفال اليوم لا يشبهون أطفال الأمس، فهم أكثر ذكاء مما كنا عليه، لا سيما في مجال التكنولوجيا، ولكن، في الوقت الذي اكتسب فيه أطفال اليوم خبرة لم تتح لنا في وقت مضى، نجدهم يفتقدون لما هو أهم، فأطفال اليوم، أكثرهم، يفتقدون البراءة والبساطة التي تميّز هذه المرحلة. أقول ذلك وفي داخلي ما يشبه الحسرة حين أتابع الأطفال من حولي كالآلات الفارغة من المشاعر، يتقاتلون داخل شاشات الكمبيوتر، يحملون أسلحة لا أعرف لها أسماء، يمضون في السير بين الجثث بحثا عن أعداء متخفين خلف الأبنية، أو بحثا عن ذخيرة تضمن لهم البقاء لوقت أطول، وبينما أنا أشاهد تلك الجرائم التي ترتكب على شاشات الكمبيوتر، تشدني ملامح أولئك الأطفال وهم مغيبون تماما عما حولهم، تضغط أصابعهم بشكل تلقائي على أزرار مقابض التحكم، وتنتهي اللعبة المجنونة، في كل مرة، بنفس الطريقة، مهزوم يتطاير الشرر من عينيه متوعدا بالانتقام، ومنتصر تعلو وجهه ابتسامة لا تناسب طفلا، تتسلل من بين شفتيه كلمة: ذبحتك! المشكلة ان تلك الأجهزة، ألعاب الكمبيوتر، والتي لا يكاد يخلو منها منزل، هي في الغالب مكافأة من أولياء الأمور إلى أبنائهم نظير نجاح...

إسماعيليات زمن العزلة!

صورة
سعود السنعوسي: في محيط الأقارب والأصدقاء من هواة البحر وصيد السمك، كثيرا ما تتردد كلمة «إحداثيات»، وكثيرا ما أسمعهم يستفسرون عن إحداثيات بقعة معينة في البحر تشتهر بوفرة الصيد في مواسم معينة، وهذه الإحداثيات التي يتبادلها الصيادون عبارة عن أرقام خطوط الطول والعرض، يتم إدخالها في جهاز تحديد المواقع ليقوم الجهاز بعد ذلك بإرشاد قائد المركب إلى وجهته المطلوبة. هذا ما كان يتبادر إلى ذهني كلما سمعت أو قرأت كلمة «إحداثيات»، فهي كلمة، بالنسبة لي، تسبق الإبحار نحو جهة معينة، ولكن الأمر تغيّر في الآونة الأخيرة، حين قرأت إحداثيات من نوع آخر، تسبق الإبحار عبر الزمن، أخذتني من حاضري إلى زمن آخر، كنت قد عايشته حين لم أتجاوز التاسعة من عمري، وها أنا في هذه الأيام، أعود له مجددا وأنا في التاسعة والعشرين، أكثر نضجا ووعيا مما كنت عليه في ما مضى، لأعايش الأحداث وأقيّمها وأفهمها بشكل أوضح. «إحداثيات زمن العزلة»، سباعية الروائي الكبير إسماعيل فهد إسماعيل، العمل الوحيد الذي تدور أحداثه في زمن احتلال الكويت من دون أن يترك شاردة ولا واردة بغير أن يفسح لها حيّزا على صفحات التاريخ. كنت قد حرصت على اقتناء هذه ...

«صندوق مبيّت» اسمه عبداللطيف البنّاي

صورة
عبّر عن حبه للوطن بلسان أهل البحر وأهل الصحراء كل بطريقته سعود السنعوسي: التطور سنة من سنن الحياة، والتغيير أمر حتمي لمواكبة مستجدات الزمن، ولتحافظ الأشياء على قيمتها، بعض الأشياء، في بعض الأحيان، لا بد لها أن تتنازل عن بعض خصائصها، ولكن، هذا ليس دائما. للكلمة دلالة، ولا يوجد كلمة بغير معنى، فاذا ربطنا مجموعة من الأحرف بشكل عشوائي من دون أن يكون لها معنى أو دلالة فلن نستطيع أن نسمي تلك الأحرف كلمة. في بعض الأحيان تحمل الكلمة معاني كثيرة، ولكن وقعها وتأثيرها على المستمع يتفاوت بين شخص وآخر، وهنا يأتي دور اللهجة، وهي التي تمنح الكلمة خصوصية تدعم المعنى، وتميزها عن باقي الكلمات «الباردة» التي نستمع إليها في القصائد والأغنيات في أيامنا هذه،وإذا ما جئنا للحديث عن القصائد الغنائية المحلية تتبخر أسماء الشعراء ولا يتبقى سوى القليل، ومن هذا القليل اسم لا بد أن أتوقف عنده، عبداللطيف البناي، هذا الشاعر الجامد المعتق الذي لا يتطور، جموده ووقوفه عند زمن معين زاده قيمة، وتخلفه عن بقية الساعين الى التغيير ميّزه عن غيره. فيما يتسابق البعض للبحث عن كلمات جديدة دخيلة يتداولها الشباب في الشارع، يمض...