«آفاق» أكثر من مجرد مكتبة

تم النشر في 2012/06/02

بقلم: د.حامد الحمود

شهدت مكتبة «آفاق» خلال الأسبوعين الماضيين احتفالين بتوقيع كتابين: الأول كان يوم السبت 19 يونيو، والثاني بعد ذلك بأسبوع. الأول كان توقيع عبدالوهاب الحمادي لروايته الأولى «الطير الأبابيل»، والثاني كان توقيع الزميلة سعدية مفرح لديوانها الجديد «كم نحن وحيدتان: يا سوزان». وقد تمكنت من حضور الاحتفال الثاني. ولقد تميزت «آفاق» باحتضان مثل هذه الاحتفالات منذ انتقالها الى مجمع التلال منذ أقل من سنتين. واحتضان مثل هذه الاحتفالات يعتبر جزءا من مشروعها بأن تكون المكتبة أكثر من دكان لشراء الكتب، والذي يعتبر محاكاة أو تمثلا لتغيرات طرأت على تسويق الكتب في العالم أجمع. فبعد ثورة الشبكة العنكبوتية وتوافر الكتب بأسعار منخفضة، كان لا بد للمشتغلين في بيع الكتب عبر المحلات التقليدية أن يحولوا مراكز بيعهم الى أماكن تسلية. فتحولت المكتبات التجارية الى مقاه تستضيف المبدعين ليقدموا انتاجهم الثقافي، وموفرة للجمهور القهوة والشاي حتى الوجبات الخفيفة. هذا وان كان لهذه التغيرات أهداف تجارية، الا أنها كذلك عبر وسائل تخدم الثقافة والابداع. ففي مثل هذه المكتبات يذهب العميل للقراءة ولشراء الكتب، ويمكن أن يشرب القهوة أو أن يتناول وجبة خفيفة. كما يمكنه شراء أقراص مدمجة لأفلام أو موسيقى.

ولعل من أهم ما تقدمه «آفاق»، التي لا تسمح لها البلدية ببيع الشاي والقهوة والوجبات الخفيفة، أنها تجمع المهتمين بالثقافة – هذا ما شعرت به بعد أن صعدت الدرج يوم السبت 26 يونيو الى الدور الثاني، حيث التقيت عند مدخلها بالشاب سعود السنعوسي الذي بادرني بالتحية، فسألته إن كانت روايته «ساق البامبو» التي نشرت أخيراً قد وصلت «آفاق»، فأخبرني أن ذلك سيكون خلال أيام قليلة. وكنت قد قرأت عن موضوعها في احدى الصفحات الثقافية، وهو عن طفل يولد لأم فلبينية وأب كويتي. تنفصل الأم عن الأب وتأخذه الى موطنها، مربية اياه على الديانة الكاثوليكية. ويبدو أن الطفل الذي كان نادى والده بالآذان بأذنيه بعد مولده، يشب متسائلا عن موطن والده. ولو كنت أنا الذي كتبت الرواية، فسأجعله يرجع الى الكويت ليرفض من أهل والده لأسباب تتعلق بالميراث. هذا واعرف أن هذا الشاب الكويتي سعود السنعوسي، ولكي يكون متمكنا من موضوعه، أقام في الفلبين لفترة محدودة لمعرفة عادات هذا الشعب ليتمكن من بناء الحوار داخل روايته «ساق البامبو».

وبعد أن دخلت «آفاق» حصلت على نسختي من «كم نحن وحيدتان: يا سوزان» والتقطت معها كتيبا عن الفيلسوف الألماني فيورباخ من تأليف هنري أفرون وترجمة ابراهيم العريس. وبدأت أقرأ فيه منتظرا بداية الاحتفال. وكما هي العادة عند أغلب الفلاسفة الألمان، نشأ فيورباخ في بيئة دينية محافظة. وأراد منه والده أن يدرس اللاهوت. لكنه تمرد على والده ودرس الفلسفة وتتلمذ على يد هيغل في جامعة برلين. ونشر كتاب «أفكار حول الموت والخلود» عام 1830 باسم مستعار وبعد أن بدأ التدريس في جامعة ايرلنغن، أخبره والده: «أنهم لن يغفروا لك أبدا هذا الكتاب، ولن تحصل على كرسي في الجامعة». وكان والده محقا، فقد طرد من الجامعة بل وبعد خمس عشرة سنة، يخاطبه مدير الجامعة «أثبت لي أنك لم تؤلف هذا الكتاب لكي أعيدك الى سلك التدريس».

بدأ الاحتفال بديوان الشاعرة سعدية، بكلمة للأديب عبدالعزيز السريع الذي وصف الشاعرة بأنها امرأة لا تشيخ. ثم بكلمات رائعة للكاتبة بثينة العيسى والشاعر عيد فلاح. وبعد الاحتفال أنتظر دوري للتوقيع. فافتتح الديوان، فأفاجأ بأن سعدية لم تقدم ديوانها باقتباس من أميلي ديكنسون، ولا من والت ويتمان، وهما شاعرتها وشاعرها المفضلان، وانما باقتباس من كوكو شانيل، تقول فيه: «الشيخوخة لا تحمي من الحب، لكن الحب يحمي من الشيخوخة»، ثم أقرا قصيدة «شجرة» تقول:

«تقاوم حركة الرياح

في سبيل سكون البقاء

في نأمة الليل تبكي

في مهد النهار تتدثر بذكرياتها الخضراء

وتغني للعصافير التي اطمأنت

في ما تبقى من خضرتها القليلة»

هذه هي «آفاق»... زبائن غرباء يصعدون ذلك الدرج الأسمنتي ولا يحملون معهم الطائفة ولا العائلة ولا القبيلة.

نشرت في:



المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مدينة الأحلام

هلا فبراير .. إلى من يهمه الأمر!

كيف تغني الكويت من دون صوتها؟