إنجازات أصغر من حلم!

سعود السنعوسي:

ما أكثر أحلامي، تلك التي حققتها، والتي أحققها، أو التي أصبو إلى تحقيقها. لا تشكل لي الأحلام الشخصية، والتي لا تعني أحدا سواي، أي مشكلة، طالما انني الوحيد المسؤول عن إخراجها من رأسي واضعا إياها أمامي على أرض الواقع، ولكن مشكلتي مع تلك الأحلام التي تتسع فيها المساحة، لتضم أشخاصا كثر. فتحقيق الأحلام يصعب كلما زاد عدد الأفراد الذين يضمهم الحلم. ومن الأحلام التي تتمدد مساحاتها في داخلي إلى درجة بتّ أضيق بها، هي أن يتحوّل المجتمع الذي أنتمي إليه إلى مجتمع قارئ. أنا لا أحلم بالنيابة عن غيري، فقد تتساءل للوهلة الأولى: وما شأنك أنت إذا اهتم غيرك بالقراءة؟ والجواب ببساطة، لا شأن لي بالغير، وانما كل ما يعنيني هو بلادي، فلك أن تتخيّل صورتها وشأنها إذا ما دخل الكتاب في تكوين الأفراد، راسما شخصياتنا، مستفزا عقولنا للتفكير، مسلطا الضوء نحو الظلمات التي تملأ نفوسنا، فاتحا أعيننا على اتساعها لمشاهدة كل ما أغفلناه، وبالتالي تبقى فرصة الاختيار لنا وحدنا، بدلا من أن يفكر الغير نيابة عنا. إذن، أنا أحلم بالنيابة عن وطن!
لا شك ان فكرة كهذه تبدو في غاية الصعوبة، فالمسألة تحتاج إلى وقت وعزيمة واصرار، وتظافر جهات عدة، على رأسها البيت والمدرسة، ولنحوّل البيت إلى جهة داعمة ومحفّزة للقراءة هو أمر بحد ذاته يحتاج إلى خطة! قد يحتاج الأمر إلى التفات المسؤولين لتحسين المناهج التعليمية، ولكن ما حيلتنا إذا كان المسؤول لا يعي أهمية القراءة؟
لنا في الكويت تجارب توعوية ناجحة، وان كان نجاحها محدودا، فالأسباب تعود لارتباط هذه التجارب بفترة زمنية محدودة، يتم خلالها تكثيف الحملات الإعلانية لتوجيه رسالة معينة، ولنا في حملة «قلوب طيبة»، الداعية للتبرع بالدم لمصلحة بنك الدم، أبسط مثال. ليس الأمر جديدا على الكويت، فأنا، لا أزال أحمل في داخلي الاهتمام والحرص على نظافة الممتلكات العامة نتيجة حملة إعلانية كان يبثها تلفزيون الكويت في منتصف ثمانينات القرن الماضي، بل ولا يزال صوت الأطفال يملأ أذنيّ بأغنيتهم الشهيرة: « لأ لأ لأ .. هذا غلط .. هذا بلدنا ما تبيه!» كلما فكرت، مجرد تفكير، في إلقاء منديل ورقي أو كيس بلاستيكي في الشارع.
والآن، بدأت الفكرة تتبلوّر لتبدو أكثر وضوحا. وبما انني بدأت حديثي عن الأحلام، فلنواصل الأحلام معا. تخيّلوا أن يفيق المسؤولون في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ذات يوم من سباتهم، أو من غفوتهم، لأكون لطيفا بانتقاء الكلمات. أقول تخيّلوا أن يقيم المجلس الوطني حملة إعلانية ضخمة تملأ الشوارع بالجداريات الضخمة، وتضع الإعلانات على الحافلات، وفي الصحف والمجلات، والإذاعة والتلفزيون، وأماكن تجمع الشباب، كالجامعات والمجمعات التجارية. تخيّلوا أن تُطعّم تلك الإعلانات بصوّر المشاهير يحملون كتبا ويحثون على القراءة. تخيّلوا أن يصدر المجلس قائمة شهرية تضم أسماء أفضل الكتب العالمية والعربية والمحلية مع نبذة عن كل كتاب، تصبح في متناول الجميع. تخيّلوا أن يسلط الضوء على أدبائنا في الكويت، لنتعرف عليهم وعلى إبداعاتهم وانجازاتهم وأفكارهم، لنقرأ لهم أحياء، ولننال فرصة التواصل معهم. تخيّلوا أن يدير المجلس مجموعات للقراءة، يدعو فيها الأدباء من الكويت والخارج على مدار العام لمناقشة أعمالهم. هناك الكثير والكثير من المسؤوليات التي تقع على عاتق المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وعلى غيره. وأنا لا أزعم ان «خيالاتي» تلك ستحوّل الكويت إلى مجتمع قارئ، ولكنها، حتما، ستساهم في زيادة عدد القراء. كما انني لا أنكر ان للمجلس انجازات بشكل أو بآخر، ولكنها، جميعها، لا تعدو كونها انجازات .. أصغر من حلم!

نشرت في:


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مدينة الأحلام

هلا فبراير .. إلى من يهمه الأمر!

كيف تغني الكويت من دون صوتها؟