فكرية شحرة: "إنها أُمك يا بُودَرياه"!.. قراءة في "سِفر العنفوز"

 بقلم فكرية شحرة*


لقد أوشك سعود السنعوسي أن يصيبني بسكتة قلبية في أحد مشاهد الرواية وأنا أصيح بعلو صوتي "إنها أمك يا بودرياه!".

لا شك أن السنعوسي يمتلك عبقرية سرد فذة تثير ضغينة مجايليه وأنا على رأسهم طبعا.

قرأت الجزء الأخير من أسفار مدينة الطين على نفس واحد. نعم على نفس واحد وبعد انتظار شهور طويلة حتى يصدر (من الصعب انتظار حكاية مبتورة) لم أستطع ترك الكتاب ليوم آخر. يتلبسك السرد مثل جني لا فكاك منه.

في "سفر العنفوز" مزج السنعوسي بين الواقع والخيال بشكل صارخ بخلاف الفنتازيا الخفيفة في السفرين السابقين.

وصارت التبة السابعة بوابة للمستقبل لا يقفز منها "صنقور" فقط وإنما شخصيات رئيسية تبحث عن الحقيقة.

اكتملت الحكاية؛ تبدو سبعين عاما فترة طويلة من تاريخ الكويت لكن  الكاتب يقفز بين زمنين ونفس المكان ببراعة مدهشة.

كم تشبهنا الكويت وكم نحبها حقيقة! منذ البداية وحتى الآن.

يجيد السنعوسي صناعة المصادفات وربط المشاهد ببعضها في براعة قل نظيرها. يوازيها مقدرته المستفزة على جعل القارئ حبيس التباس ما في كل حدث. وكلما فك القارئ شفرة ارتباك ما في رأسه زادت متعة القراءة لديه.

نقلنا السنعوسي بين أزمنة مختلفة لدولة الكويت وطفنا على أماكن هذه الأزمنة بتغييراتها المستحدثة نرى الفروقات رأي العين فأي ابهار أكثر من هذا!

أتى السنعوسي بحوادث تاريخية وقعت ليكمل تفاصيلها في الخيال ليوهم القارئ ربما أنها فعلا أحداثا حقيقية. مثال ذلك إيراده قصة حرق العباءة والبوشية من قبل الكاتبة الكويتية فاطمة حسين وزميلاتها في الخمسينيات وربط ذلك بقصة العباءة. كذلك مذكرات الطبيبة إلينور التي ناصبها بوحدب العداء وطفق يحكي معها أحداث الرواية بطريقة تدهشك وتجعلك تتساءل هل حدث هذا فعلا؟ هل شخصيات بوحدب حقيقية أم من خياله.

إن ما يكتبه السنعوسي هو مشاهد مرئية للقارئ كأفلام هوليوود التي تأخذ بتلابيب المشاهد بعيد عن التنطع باللغة أو العمق الزائد؛ قليلا من لغة الفلسفة والحكمة.

ما أشعر به وأنا اقرأ لسعود أن آلاف المصابيح تشتعل في رأسي. بعد أن أكمل القراءة أكون منبهرة فعلا حتى عيني تظل مفتوحتان على اتساعهما وعشرات الصور والمشاهد تقفز إلى رأسي في انبهار حقيقي.

تهانينا لبوحدب انجازه الثلاثي والتعرف على نفسه وقدراته. وهنيئا لنا هذا الكاتب الذي يختفي سنوات قليلة ليظهر بتحفة سردية فنية ماتعة.


*قاصة وروائية يمنية

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مدينة الأحلام

هلا فبراير .. إلى من يهمه الأمر!

كأنما قُدِّر لهم الموت.. كي تحيا القضية في ضمير العالم أبدًا!