حَمَامُ الدار.. ومناوشة اليقين

بقلم: مروة سمير



من مميزات رواية حَمَامُ الدار «أُحجية ابن أرزق»، للكاتب الكويتي سعود السنعوسي، أنه يمكن تأويلها بأكثر من طريقة، وتأملها بأكثر من منظور، فقد تجدها أحيانًا تتجاوز التصنيف الأدبي لتُمثل لوحة فنية تجريدية مُلهمة، لوحة يخيم عليها اللون الأزرق وما يحمله من دلالات، أزرق هو الأب القاسي.. البحر المخيف.. الكابوس المؤلم.. والسماء التي تبتلع الأحبة.
ثم تعيش لوحة أخرى من الألوان ترسمها الكلمات، مع الحمامة فيروز.. حمامة رمادية اللون يميزها لمسة فيروزية اللون حول عنقها، تماما كالبطل الكهل «عِرزال» بملابسه الرمادية ووشاح عنقه الفيروزي، كأنه إنعكاس لها، وحيث الماضي دائما هو الأمس، وكأن الزمن دائري في سلسلة متشابهة الأحداث، فيبدو سيره بظهره كلما دخل الغرفة يحمل أكثر من مغزى.
أما الاستهلال الذي أتى باقتباس من الرواية البديعة “الحمامة” للكاتب الألماني باتريك زوسكيند، كان بداية موفقة للغاية لدخول العمل.
“حمام الدار لا يغيب، وأفعى الدار لا تخون”
تبدأ صباحات «عِرزال أزرق» باتصال مع طليقته ليطمئن على صغيريه، فتقطع الاتصال ما أن تسمع صوته: «اركض يا جبان!»، نفس الجبن الذي يتهم به الحمامة فيروز كلما اختفت في الأزرق تاركة فرخيها الصغيرين، فيخشى هلاكهما ويحاول منحهما الحياة بكل الطرق الممكنة.
«وحده السؤال مِنحة العقل ومِحنَته»
قد تبدو الفكرة الرئيسية للرواية معضلة كاتب لا يستطيع إنهاء قصته، فيتدخل مستعينًا بالأبطال ليحاول فهم شخصياته التي تمردت عليه.
لكن ما يمنح العمل تفردا واضحًا، توالى الرموز والاسقاطات أمام رمزية الكاتب العليم بكل شيء، الذي تمنحه شخصياته الورقية تقديس إلهي، ينظر إليه بعضهم عبر السقف غاضبا من صمته رغم أنه يرى كل شيء، ويتطلع إليه البعض الآخر برجاء ورهبة آملا في الخلاص.
يدور بين الشخصيات صراع ما بين الإيمان بأن أقدارنا كتبت دون حيلة لنا، وبين الإصرار أننا نحن من نرسمها.
فماذا إن تبدلت الأدوار وأصبح البطل المُختلق هو المؤلف.. هو الرواي؟
بين ماضي مؤلم لعرِزال ومستقبل غير معلوم، تمر الأحداث بلغة رائعة، مفعمة المشاعر، بشخصيات مرسومة ببراعة، محلية الأجواء، وبإشارات في بداية الفصول تَحكي قصة أخرى بين السطور.
“كيف للحزن أن يتخذ من الجمال ثوبًا على هذا النحو من السحر؟!”
تصل الرواية لأفضل حالاتها في نصفها الثاني مع «منوال» وانعكاس الحكاية بأكملها، ليُشجيك الألم ويَسكنك هديل الحمام.
تتجمع قطع «أُحجية ابن أزرق» في الفصول الأخيرة، لتعيد اكتشاف الأحداث كلها من جديد، وترى الوجة الآخر للشخصيات، تستشف من بين السطور سر قسوة الأب، وحزن غناء فيروز، يَمُسّك وجع غياب زينة ورحال، يعود بك الزمن لنقطة البداية مرارًا.. ويتلاعب بك، تتضح الأحجية نوعًا، لكنها لا تمنحك يقين الأجوبة.
قد يبدو العمل غامضا لمن ينتظر حبكة تقليدية بسيطة، لكنه في غاية الجمال والإمتاع لمن يبحث عن خيال جديد، بديع، بلوحات فنية تُثري الروح، وبجمال لغة السرد ورهافة المشاعر التي تحملها الكلمات.
“حمام الدار يغيب.. وأفعى الدار تخون!”
حَمَامُ الدار عمل يتميز بجمال غير تقليدي، وإبداع متفرد، يحمل مناوشة الشك باليقين، شك الوجود.. ويقين العودة. 

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مدينة الأحلام

هلا فبراير .. إلى من يهمه الأمر!

كيف تغني الكويت من دون صوتها؟