«فئران أمي حصة» .. ومن جديد زرقاء اليمامة تحذرنا من مسيرة الأشجار

الكاتبة نضال ممدوح

     ربما لو قرأ الرقيب رواية “فئران أمي حصة” لأستشرف مبكرا ما رأه “سعود السنعوسي” بنزاهة عيون “زرقاء اليمامة” التي يختص بها المبدع ٬ وربما ما كان اتخذ قراره بمنع تداول الرواية في مسقط رأس مؤلفها ٬ وربما فهم ما كان وراء الكلمات التي صاغها السنعوسي وأتهم بالتشاؤم وهو لا ينقل سوي الواقع القميئ ويطلق صرخته “أنتم لا تبكون موتاكم، أنتم تبكونكم بعدهم. تبكون ما أخذوه برحيلهم. يخلفونكم بلا جدار تتكئون عليه”فربما يفهم ويعيي القادمون القيح والصديد الذي يتخم واقعنا العربي المهترئ.

     كان أول ما قفز إلي ذهني مع الصفحات الأولي من رواية السنعوسي”فئران أمي حصة”أحداث رواية “يوتوبيا” للكاتب المصري أحمد خالد توفيق ٬ ولا أقصد هنا التناص إنما أعني إستشراف ماهو أت ومفارقة اللحظة الراهنة بل والقفز عليها لنسافر إلي قادم الأيام ولن أقول السنوات فهي مجرد شهور فرقت بين نشر الرواية وتفجيرات مسجدي القديح والعنود الشيعيين في المملكة العربية السعودية.

     وإن كان أحمد خالد توفيق حذر في “يوتوبيا” من ثورة جياع يترتب عليها جيتوهات يلجأ إليها المتخمة كروشهم بالثروات التي راكموها علي حساب دماء الفقراء ٬ بينما السنعوسي في فئران أمي حصة يتحدث إلينا من المستقبل تحديدا عام 2020 وتحديده هذا التاريخ لإنفجار الفتن الطائفية والقتل علي الهوية ربما وجده متلقي روايته شديد التفاؤل حيث أجل مشاهد الخراب والدمار وتقسيم المدينة الواحدة إلي مئات الحواجز والمناطق بين مشايعيين كل طائفة وأخري وربما السنعوسي وهو يتابع أخبار تفجيرات القديح والقطيف شعر هو الآخر أنه كان مفرط في التفاؤل وليس التشاؤم كما تناولت الأقلام النقدية الرواية.

   يتوازي السرد عبر زمنين ما كان في طفولة الراوي وأيامه الخوالي وبين “يحدث الآن” الكابوسية الضاغطة علي أنفاسك وأنت تتابعها والتي تدفع الدماء حارة في عروقك بالسؤال الشائك ماذا قدمت الأديان للإنسانية سوي الشقاء والبؤس ٬ كيف فرقت الأديان بين البشر بعضهم البعض وبثت بينهم الحقد والبغضاء وشهوة القتل والإفناء للآخر إن لم يعتنق معتنقي لأنني أملك الحقيقة المطلقة ٬ ذلك الشقاق الذي بثته الأديان لم يقتصر بين ديانة وأخري إنما داخل الدين الواحد ما بين شيعة وسنة ٬ دروز وبرتستانت ٬ كاثوليك وأرثوذكس٬ سيخ وتاميل “أخفي الورقة مجددا أسفل المقعد وأستخرج بدلا منها رزمة منشورات دعوية كتب عليها أبوبكر في الجنة وعمر في الجنة٬ وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة و…وأدير المذياع علي إذاعة الحق ٬ هي الطريقة الوحيدة التي تجنبني الوقوع في مشاكل مع حياد اسمي الذي يصعب معه تحديد طائفة يفترض أن أنتمي إليها ” وحينما يمر إلي الجهة الآخري التي يسيطر عليها معتنقي المذهب الشيعي المخالف :”أري من منتصف الجسر نقطة أمنية قبل آخره ترتفع منها الأعلام الخضراء هذة المرة ٬ أواري رزمة الأوراق أسفل المقعد ٬ أدس إصبعي بخاتم عقيق أحمله دائما في درج السيارة ٬ أدير مؤشر المذياع علي محطة أخري تنطلق منها أصوات جماعية تنشد علي إيقاع منتظم للطم الصدور، أنشودة للأمام الحسين”.


     ولم يتوقف أحد يوما ليطرح سؤال آخر كيف ل حي بن يقظان أن يعرف الله بقلبه لأنه من روحه بدون أنبياء أو رسل بدون ديانة أو وحي ؟وكيف ضللنا جميعا الطريق إليه رغم كل هذة الأديان والأنبياء ولم يتبقي فقط سوي القتل والتدمير ٬ الحرق والدماء والجثث المتعفنة في الطرقات ؟!!.
لم يتعلم أحد من درس الحرب الأهلية اللبنانية بكل كوابيسها ومآسيها ٬ بكل قبحها وقيحها ٬ لم يستعب أحد الدرس من خروج الجميع خاسرين صفري الأيدي ٬ بل لم يعيي أحدا تساؤل الصغير الممتد عبر الرواية “حديقة الحيوان وين” ذاك السؤال الذي غرس في ذهن الصبي ووعيه عن السبب وراء إعتبار العمرية أو العميرية كما ينطقها الأهالي سبة لمن ينتمي إليها أو يقطنها ؟
ولم يلتفت أحد إلي نبؤة “أمي حصة”التي دوما ما كانت تؤكد علي وجود تلك الفئران القبيحة التي تحمل الطاعون ذاك الذي يحصد الأرواح ويهلك القري “ليس ضروريا أن تراها لكي تعرف إنها بيننا !”الطاعون هنا ليس المرض البيولوجي اللعين إنما تلك النعرات الطائفية والتمييز بين أبناء الوطن الواحد علي أساس المذهب أو الدين أو حتي الجنس ٬ طاعون الطائفية الذي لم تبدأ فصوله الحقيقية بعد.

     وبغض النظر عن تصنيف الرواية وجنوحها إلي الفانتازيا أو الخيال أو حتي كما عبر كاتبها عن إنها “دقة لناقوس الخطر “أن إنتبهوا واستيقظوا إلا أن المحك سيكون علي الفعل القادم أو كما في جملة أحمد حلمي في فيلمه ألف مبروك “تعالي نغير الواقع٬ تيجي معايا وانا بغير الواقع ”.

     نجح السنعوسي في إلتقاط التفاصيل الصغيرة الحميمية التي نرتبط بها جميعا علي إمتداد العالم العربي ٬ سواء في بعض المعتقدات التي توراثناها عن التطير فكما نتشائم في مصر من فتح المقص وغلقه فأهل الكويت أيضا يؤمنون بذاك التطير ٬ بائع الأقمشة اليمني المتجول وهو يقطع الطرقات مناديا علي بضاعته من المنسوجات والأقمشة النسائية هو ذاته في مصر وإن كان أقتصر وجوده علي القري والأرياف.

     وكما أننا في الهم عرب لا تختلف ممارساتنا القمعية تجاه بعضنا البعض من مكان لآخر في بلداننا فكما تنهر الأم المصرية أو الأب طفله وهو يطلق أسئلة الدهشة حول وجود الله وأين هو وما هيته ٬ كيف ومن أين يجيئ الأطفال كذلك فعلت والدة الصبي الصغير ووالده ومعلم المواد الدينية في مدرسته.

     حينما تفرغ من رواية “فئران أمي حصة”لن تملك سوي إطلاق زفرة حسرة حارة وإحساس بالعجز عن تغيير ذلك الواقع الصديدي الموبوء بالطائفية والإقتتال بإسم الرب ٬ يأكلك الرعب والفزع من الأيام القادمة وما تحمله لكنك ربما لمحت شبح ضوء في آخر النفق لوجود شخصيات مازالت تحتفظ ببهاء أرواحها النقية وعلي رأسها “أمي حصة” العجوز المفعمة بالحياة النقية من تعامل خادمتها كفرد من عائلتها ٬ تبتاع لها الأثواب ولا يجرؤ أحد علي مقاطعتها وهي تشاهد الأفلام الهندية يوم إجازتها ٬ بائع المثلجات الفلسطيني الذي يتغزل في عربته التي خرجت ثلاثة أبناء من الجامعة جميعهم يتجاورون بعيدا عن أوطانهم لكنهم خلقوا وطنا في المنفي بما بينهم من أواصر محبة ربما إستطاعت يوما أن تقهر طاعون الطائفية المقيتة . 


المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مدينة الأحلام

هلا فبراير .. إلى من يهمه الأمر!

ابتسامات مبعثرة في سماء غزَّة