ساق البامبو



خالد منتصر

نادرة هى الروايات التى تجذبك كالمغناطيس فلا تبدأ فيها إلا وتجدك فاغراً عينيك لاهثاً يقتلك الفضول حتى نقطة النهاية فتلتهمها فى نفس واحد، رواية «ساق البامبو» للكاتب الكويتى سعود السنعوسى من تلك النوعية الجاذبة الجذابة، تتخيل من فرط ما فيها من حكمة وتجربة ورؤى أن كاتبها شيخ عجوز تجاوز السبعين وتأخذك المفاجأة حين تعرف أنه أصغر فائز بجائزة البوكر؛ فهو ما زال فى بداية الثلاثينات، ودائماً يحاصرنى سؤال مؤرق مع بداية كل رواية: «هل حقاً هناك جديد ما زال فى جعبة كُتاب الرواية يقدمونه للقراء؟ هل ما زالت هناك أجواء بكر لم نتنفسها بعد وأراض جديدة لم تطأها قدم من قبل؟!»، وأفرح عندما يتحدانى الروائى وينتصر بمخلوقه الروائى الطازج المراوغ، «ساق البامبو» رواية سهلة الهضم بسيطة العرض محكمة البناء خالية من التكلف واستعراض العضلات والبلاغة المنمقة المزيفة الزاعقة، البطل الحائر الباحث عن هوية هل هو عيسى أم خوزيه؟ هل هو مسيحى أم مسلم؟ هل هو كويتى أم فلبينى؟ هل الوطن أهم أم العائلة؟ هل الملامح أهم أم الروح؟ كان يتخيل أنه كساق البامبو من الممكن بمجرد زراعته فى أى أرض سيمد جذوره ويكتسب الهوية، أنه نطفة تكوّنت فى أحشاء خادمة فلبينية لقحها كويتى ثرى، وبالرغم من زواجهما العرفى وأوراق الثبوت واعتراف الأجهزة الرسمية التى نتخيلها أصعب خطوة فإنه كان مثل غسان صديق والده «بدون»، وبالرغم من أن أمه كانت تخشى عليه من الجلوس تحت الشجر حتى لا تنبت له جذور فى الفلبين وتبث فيه حلم العودة للكويت فإن الكويت لفظته وعائلة والده الشهيد أنكرته وتعاملت معه كخادم، وبرغم أن الفلبين أهدته الفقر والبيت الضيق والحاجة والجد الفظ والخالة العاهرة وبنت الخالة المدمنة المثلية فإنها كانت وطنه الذى عاد إليه لأنه كان بالرغم من كل هذا ينبض بالروح والألفة والحياة وعدم التصنع، الرواية ليست مجرد رحلة بحث عن هوية، لكنها رحلة بحث عن وجود وعن اعتراف وعن معنى، حتى الجنون معناه مختلف؛ فلم يستقبله بحفاوة وإنسانية إلا مجموعة الشباب الكويتى ممن كانوا يوصفون بالجنون والذين كانوا يرقصون ويلهون ولكنهم فى النهاية احترموه وتعاملوا معه كإنسان، الرواية مفعمة بالحكم والعبارات الموحية ذات الدلالة والعمق برغم بساطتها وعدم التفافها وتعقيدها، خذ هذه المشهيات الروائية البسيطة قبل أن تتناول عزيزى القارئ وجبة ساق البامبو: ■ الغياب شكل من أشكال الحضور، يغيب البعض وهم حاضرون فى أذهاننا أكثر من وقت حضورهم فى حياتنا. ■ نحن لا نكافئ الآخرين بغفراننا ذنوبهم، نحن نكافئ أنفسنا، ونتطهر من الداخل. ■ الأديان أعظم من معتنقيها. ■ السعادة المفرطة كالحزن تماماً، تضيق بها النفس إن لم نشارك بها أحداً. ■ ليس المؤلم أن يكون للإنسان ثمن بخس، بل الألم، كل الألم، أن يكون للإنسان ثمن. ■ إذا صادفت رجلاً بأكثر من شخصية، فاعلم أنه يبحث عن نفسه فى إحداها؛ لأنه بلا شخصية. ■ اليد الواحدة لا تصفق ولكنها تصفع، والبعض ليس بحاجة إلى يد تصفق له بقدر حاجته إلى يد تصفعه، لعله يستفيق! ■ هل الابتسامة فى نهار رمضان تبطل الصوم؟ تحفر المشاهد المأساوية نقوشها على جدران الذاكرة، فى حين ترسم السعادة صورها بألوان زاهية. تمطر سُحُب الزمن.. تهطل الأمطار على الجدران.. تأخذ معها الألوان.. وتُبقى لنا النقوش.

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مدينة الأحلام

هلا فبراير .. إلى من يهمه الأمر!

كيف تغني الكويت من دون صوتها؟