الروائي الجزائري واسيني الأعرج: «ساق البامبو» رواية العام وتستحق البوكر بجدارة

روايته الجديدة «مملكة الفراشة» ترصد واقع ما بعد الحروب الأهلية

القاهرة: حنان عقيل 

واسيني الأعرج روائي جزائري معروف حصل على الكثير من الجوائز منها جائزة الرواية الجزائرية، وجائزة الشيخ زايد، والمكتبيين، وجائزة قطر العالمية للرواية، كما اختيرت روايته «حارسة الظلال» عام 1997 ضمن أفضل خمس روايات صدرت بفرنسا، وترجمت أعماله للكثير من اللغات من بينها الفرنسية والألمانية والإيطالية والإنجليزية وغيرها. كما تدرس الكثير من أعماله الأدبية في الجامعات. وقد التقيناه أثناء زيارة له للعاصمة المصرية، وكان هذا الحوار معه، الذي تحدث فيه عن أحدث أعماله وعن جائزة البوكر العربية ورؤيته للوضع الثقافي والسياسي في الوطن العربي:
* حدثنا عن روايتك الجديدة «مملكة الفراشة»؟
- لقد انتهيت منها مؤخرا، وستنشر في شهر يونيو في «مجلة دبي الثقافية» مما سيمنحها فرصة توزيع ممتازة نحو 30 ألف نسخة، وستخرج في سبتمبر (أيلول) عن «دار الآداب» بمناسبة معرض الجزائر وبيروت. «مملكة الفراشة» تتحدث ليس عن وضعيات الحروب الأهلية ولكن عن نتائجها من انتقامات وجنون وعزلة، فكثيرا ما نتحدث عن ضحايا الحروب الأهلية ونفرح لتوقفها وننسى أن ما سينشأ بعد ذلك هو حالة جهنمية كبيرة. ولذلك الرواية تأخذ عائلة تنعكس العزلة على أفرادها بأشكال مختلفة، رجل يعمل في مخبر صيدلة ويضطر إلى المغادرة بسبب اللعب بالأدوية والمتاجرة بأعضاء المرضى فيتقلص عمله المخبري في بيته، بينما الزوجة مدرسة لغة فرنسية تتباعد خوفا من الجريمة ثم تدخل في عالم القراءة لدرجة الالتباس مع أبطال الروايات بينما «البت ياما» وهو اسمها تغرق في «فيس بوك»، وتنشأ قصة حياة افتراضية، فالعزلة قاتلة ومدمرة وتربي أوهاما خطيرة في الناس، والنهايات تراجيدية طبعا داخل مدينة منقسمة يفصل بينها جسر هو في النهاية الحافة بين الموت والحياة.
* كيف استقبلت خروج روايتك «أصابع لوليتا» من القائمة القصيرة للبوكر العربية؟
- هو أمر طبيعي، هناك خمسة أعضاء في لجنة التحكيم من حقهم أن يقبلوا أو يرفضوا، ولا يعني ذلك أي شيء، لهم ذوقهم وهم أحرار في النهاية، سعدت أنها وصلت للقائمة الطويلة، وقد رشحها آلاف القراء للفوز وهو رأي القراء ويجب احترامه لأنه مهم بقدر احترام اللجنة، كُتبت عنها قرابة المائة مقالة وتقديم، وسُحبت منها آلاف النسخ غير الخمسين ألف نسخة التي طبعت في «مجلة دبي الثقافية» وكانت موضوع دراسات أكاديمية متعددة ورشحت كواحدة من أهم خمس روايات عربية صدرت هذه السنة، ما فاجأني قليلا ليس عدم ترشيح روايتي «أصابع لوليتا»، ولكن إسقاط ست من أكبر روايات صدرت في السنة بشكل فيه بعض الغرابة فجميعها روايات مميزة.
لذلك، رهاني الباقي هو قرائي وما عدا ذلك فهو طارئ. إذا فازت الرواية فالأمر جميل وإذا لم تفز فالأمر عادي وليس فاجعة. يجب أن نخرج من ربط قيمة أي رواية بالجائزة، الجائزة مهمة بكل تأكيد ولكنها ليست شيئا مذهلا ولهذا آخذ المسألة بحيادية مطلقة، للجنة حق ولكن المحصلة هي بقدر ما تكون اللجنة كبيرة ومميزة وعارفة للثقافة العربية تكون الجائزة عالية وبقدر ما تكون اللجنة متواضعة في نتائجها تكون بنفس التواضع وهذا ينطبق على كل اللجان، الكتاب له طريق واحد ودائم وأساسي هو القارئ، وعلى كل لا توجد جائزة تصنع كاتبا أبدا، فنحن نكتب لأننا أولا وأخيرا نحب الكتابة ونتقاسم أفراحها مع قرائنا.
* ما تعليقك على فوز رواية «ساق البامبو» بجائزة البوكر العربية؟
- أنا شخصيا مأخوذ برواية سعود السنعوسي «ساق البامبو»، وأرى أنها أهم رواية لهذه السنة بتقنياتها وجمالياتها وموضوعها وشجاعتها، أنا دارس للرواية ومدرس لها في الجامعة ولهذا حكمي ناتج عن قراءة، هذه الرواية هي رواية السنة، أنا سعيد جدا لهذا الشاب. به أقول إن الرواية العربية بخير، هي رواية مهمة وقوية وتستحق بامتياز وقد دافعت عنها في جائزة الدولة في الكويت إذ كنت عضوا في لجنة التحكيم وفازت، بهذا الفوز حافظت البوكر على مصداقيتها، هذا الشاب سيكون له شأن كبير في الرواية العربية، أبارك له وللأدب الكويتي والعربي. الموهوب يفرض نفسه بقوته وتواضعه وهذا كله متوافر في هذا الشاب.
* في رأيك ما المشكلات التي تواجه الثقافة في العالم العربي من وجهة نظرك؟
- مشكلات الثقافة العربية أننا إلى اليوم كعرب لم نعط لها الحق الذي تستحقه، فما زالت حكوماتنا تنظر للثقافة في الوطن العربي كأنها «العجلة الخامسة» وليست ضرورية مع أننا نعرف أن إنسان المستقبل يصنع اليوم، تخيلي إنسانا اليوم ينشأ خارج المواطنة وخارج النقاش السياسي الحر وخارج الرياضة بالمعنى التكويني والحضاري وخارج الموسيقى وخارج الكتاب وخارج المدرسة المتنوعة والمنفتحة على الحداثة كيف سيكون هذا الإنسان في المستقبل؟ سيكون جافا ومفرغا عرضة لكل جهة تريد استعماله واستنزافه، لأنه لا يملك أي ثقافة دفاعية، والإرهاب هو الصورة لهذا الفراغ. مشروع الإنسان العربي، في ضوء هذا المنطق، إما إنسان هامشي ضائع في المخدرات والحياة الوهمية، أو إرهابي أعدته الدولة بتفريغها له كليا من أي ثقافة وأي نور وأي مواطنة حقيقية، ولهذا فمسؤولية الدولة العربية في مسألة التجهيل كبيرة، فالمواطن العربي اليوم هو صورة لإخفاقاتها.
* من واقع خبرتك، هل ثمة شروط يجب توافرها في الرواية التاريخية الجيدة؟
- هناك شرط أساسي أن تكون الرواية رواية أولا وأخيرا، وأن يكون عنصر الحرية متوافرا. من دونه لا يمكن أن نكتب رواية بكل بساطة، الرواية التاريخية فيها شطط كبير وتحتاج إلى جهد خاص واستثنائي، تحتاج إلى رحلات وتحركات واستقصاء للأماكن وقراءة التاريخ بروح نقدية دائمة تفترض منذ البداية أن التاريخ بما في ذلك التاريخ الوطني يكتبه المنتصرون، ولهذا وجب نقده. وحتى عندما نتدخل أو نجعل الشخصيات تتكلم علينا أن نتابع ونندس تحت جلدها، لا كما نريد ولكن كما هي أو كما يفترض أن تكون. ومن ثم فجرأة النقد مهمة وإلا فسنكرر ما قام به جورجي زيدان في وقته حيث افترض تاريخا عظيما بينما يحتاج الكثير منه إلى إعادة نظر.
* هل خرجت روايتك «كتاب الأمير» في ضوء هذه القواعد؟
- نعم، في ذلك كله أنشأت شخصية الأمير عبد القادر الجزائري في رواية «كتاب الأمير»، وجعلته يرى عصره بعين ناقدة ويدخل في حوار مع الذين كانوا يختلفون معه في الدين والحياة، ومع ذلك رد الفعل لم يكن دائما مريحا في العلاقة، ليس مع القراء ولكن مع المحيط السياسي، فالكاتب في الرواية التاريخية ليس موظفا عند الدولة وليس موظفا عند عائلة الشخصية التي يكتب عنها، ولكن رهان الكتابة هي أن نكتب نصا يقول التاريخ ويقول الرواية أيضا ويقول حقيقته النسبية.
* هل ترى أن هناك إقبالا على قراءة الرواية التاريخية في عالمنا العربي؟
- كنت أظن أن قراءة الرواية محدودة لأسباب متعددة منها أن الروايات التاريخية طويلة كثيرا، وأن القارئ الحالي غير مهيأ لذلك، واستغربت بعد تجربة رواية «كتاب الأمير»، أن القارئ يقرأ عندما تقدم له ما يهمه في الحاضر والتاريخ؛ بل إن «كتاب الأمير» حصد جوائز عدة، كجائزة المكتبيين وجائزة القراء وجائزة الشيخ زايد للآداب في عام 2007 مع أني كنت متخوفا من عدم إقبال القراء. فالقراء موجودون ولكن الأمر يحتاج إلى قدر من الدعاية والاهتمام.
* إذن، أنت لا تعتقد، نسبيا، بوجود أزمة قراءة في الوطن العربي؟
- هناك مشكلة متعلقة بالتقاليد القرائية، فنحن لا نربي أبناءنا على القراءة وهذا أمر سلبي لأن القارئ في النهاية يحتاج إلى تكوين، لكن مع ذلك إذا وجد القارئ نصا مميزا يختاره، ومن ثم يمكن أن يتحول القارئ إلى وسيلة دعاية لكتاب يحبه فيوصله إلى صديقه والصديق إلى صديق.. وهكذا. الناس يقرأون، وقد تفاجأت من العدد الضخم من القراء في عمان. في الوطن العربي توجد مشكلة عامة هي مشكلة تكوين وتهيئة القارئ وليس شيئا آخر.
* ما السبب وراء حضورك الشخصي في الكثير من أعمالك مثل «شرفات بحر الشمال» و«أنثى السراب».. هل أردت بذلك تقديم سيرة ذاتية في قالب الرواية؟
- لا.. للسيرة الذاتية شروطها الصارمة كما يحددها فيليب لوجون. أنا عملت على نصوص روائية، أي إن مسألة التخييل تلعب فيها دورا حاسما. هذا لا يمنع من توافر عناصر حياتية في الروايات، وهذا شيء آخر لأن هذه العناصر لا تخضع للسيرة ولكنها تخضع للرواية كعالم تخيلي، فحتى النماذج التي قدمتها لا تحيل إلى السيرة شرطا. هناك عناصر حياتية فقط مثلا في رواية شرفات بحر الشمال. الرواية متخيلة وإن كانت بعض الأسماء تتقاطع مع اسم أمي وأختي ولكنها عناصر ثانوية، وقعت لي قصة طريفة في هولندا مع طلبة اشتغلوا على الرواية، بحثوا عن كل الأماكن التي تتحدث عنها الرواية فوجدوها في هولندا إلا تمثال المغنية التي عشقت أميرا هولنديا فسألوني عنه، قلت لهم إن التمثال في رأسي. إذن الكتابة هي احتمال الوقوع والتشابه وليس شرطا أن تكون هي الحقيقة المعيشة. طبعا في رواية «أنثى السراب» هناك الكثير من العناصر الحياتية لأني كتبتها بعد خروجي من المستشفى من تجربة موت أكيد ولكن الله أمد في العمر، ومع ذلك ليس هذا النص سيرة لأن بنيته الأساسية ليست حقيقية وهي فكرة الغيرة من شخصية افتراضية، هي فكرة أدبية بامتياز، والرسائل نفسها عدد كبير منها غير حقيقي. والسيرة الذاتية هي الابتعاد عن التخييل والسير على خطى الحياة في كل تفاصيلها.
* تعمد إلى استخدام اللغة الفرنسية في كتاباتك عن طريق بعض الجمل على لسان الشخصيات.. هل هناك رسالة ما وراء ذلك؟
- في الحقيقة لا توجد أي رسالة خاصة سوى شيء من التسامح اللغوي استجابة لطبيعة الشخصيات الأدبية المكونة بهذه الثقافة. وهذا يعطي شيئا من الصدق لخطاباتها وهذه التدخلات طبعا محدودة في الروايات لأن الرواية تختار العربية كما نستعملها اليوم، هناك أيضا بعض التراكيب العامية المصوغة عربيا لأن الشخصيات أيضا تتحدث بلغة تستجيب لمستوياتها، ولكن تظل الفصحى المخففة والشعرية هي وسيلتي في الكتابة، وفي النهاية إذا كانت هناك إشارات فهي تشير إلى التعددية اللغوية في الجزائر.
* البعض يرى عدم وجود توازن بين الحدث واللغة في كثير من رواياتك بحيث تطغى اللغة الشعرية وجمالية السرد على تسلسل الأحداث.. كيف ترى ذلك؟
- من حق أي قارئ أن ينظر للأمر كما يشاء ولكن العكس أحيانا هو ما أتهم به وهو تغليب الحدث والقضية على اللغة، فلقد تناولت الكثير من قضايا عصري من تطرف ديني ومظالم اجتماعية وخير وشر وبنيت الرواية منها، لأن الذي يهمني هو ضرورة توافر قصة في الرواية وإلا فلا معنى لما نكتب، اللغة ليست شيئا ثانويا فهي عصب الكتابة، لكن طبعا يجب أن لا يتحول النص إلى رياضة لغوية فقط.
* كانت هناك مشاريع لتحويل «كتاب الأمير» و«سيدة المقام» لفيلم سينمائي، ورواية «القبر المفتوح» للعرض التلفزيوني.. ما مصيرها ؟
- حتى الآن مشروع فيلم «كتاب الأمير» معلق لدى رئاسة الجمهورية لأنها الجهة المخولة جزائريا مع الشركة الفرنسية للإنتاج السينمائي وما يزال إلى اليوم هناك مع أن الموافقة والحماس متوفران، ولكني لا أعلم حقيقة أين المشكلة، بالنسبة لفيلم «سيدة المقام» هو طور الإنجاز. أما بالنسبة لمسلسل «القبر المفتوح» فكدت انتهي منه ولكن وفاة الوالدة جعلتني أتوقف لأن المسلسل كله كان مهديا لها ومقدم لنضالها وحياتها، وفقدت في وفاة أمي القوة الدافعة، وأتمنى أن أعود له. وفي النهاية يتوقف الأمر على المخرجين السينمائيين، ولكن حظ المسرح كان أفضل فقد حول المسرح الليبي قبل سنوات رواية «وقع الأحذية المستوطنة»، وحول مخرج جزائري شاب جزءا من رواية «وقائع من أوجاع رجل» إلى مسرحية كما اقتبست رواية «حارسة الظلال» و«أنثى السراب» إلى مسرح عنابة ومسرح الجزائر العاصمة، ويتم الآن تحويل رواية «البيت الأندلسي» إلى المسرح.

نشر في: الشرط الأوسط

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مدينة الأحلام

هلا فبراير .. إلى من يهمه الأمر!

كيف تغني الكويت من دون صوتها؟