الرواية الكويتية الجديدة.. عين خارج الوطن.. وعين عليه
تم النشر في 2012/09/04
مهاب نصر
إذا كانت فكرة «العولمة» محل نقاش وجدل متوتر على المستويين
الاقتصادي والسياسي، فهي من جانب آخر واقع فرضته السرعة في تناقل المعلومات والآراء
عبر مختلف الوسائط الحديثة بما يخرج عن تحكم «الدول» من حيث فرض أنماط ثقافية
بعينها، وهو ما دفع الجهاز الرسمي لها ومعه عدته الممثلة في الثقافة الكلاسيكية
ومؤسساتها للتداعي بالحفاظ على الهوية. غير أن للأدباء كلمة أخرى، وللروائيين بشكل
خاص. في الكويت، على سبيل المثال، لم يعد الكاتب الروائي يكتفي بحدود الوطن ليعبر
عن أفكاره، بل لم تعد تلك الأفكار نفسها متعلقة ببيئته المحلية وتراثها. لقد سافر
وتجول بالجسد والفكر أيضا، ليرى وطنه بعين المواطن مرة وعين المغترب أخرى، وعين
الغريب (الأجنبي) مرة ثالثة.
الأجيال الجديدة في الرواية الكويتية تبدو وكأنها تقف على الحافة
بين وطنين أو عدة أوطان، ومن ثم تتخذ قرارها الخاص في معنى الانتماء وفي خيارها
الانساني أيضا. أجيال ربما كان آخر الأحداث الجليلة التي عاصرتها من دون أن تعيها
الوعي كله هو الغزو العراقي الآثم، لكنها لم تمر بمراحل التحول الأكبر التي عاصرتها
أجيال أقدم فكانت موضوعها الأثير، التحول «النفطي» بطبيعة الحال، الذي غير الكثير
في أنماط الحياة في المجتمع الكويتي وعاداته وقضاياه أيضا.
هوية
مزدوجة

تدور أحداث رواية السنعوسي بين الكويت والفلبين. إن بطل الرواية
يعاني من مأزق الهوية المزدوجة، كونه كويتيا فلبينيا، في الكويت يطلقون عليه
«الفلبيني»، وفي الفلبين ينادونه «العربي»، ومن خلال هذه العين الزائغة يرصد
السنعوسي نظرة الآخر الى المجتمع، غير أنه آخر متورط تماماً، أو ليس آخر بالمعنى
المطلق: ما يسمح له بالمقارنة بين شقي انتمائه.

على الشاطئ
المقابل
من اللافت أن عددا لا بأس به من الروائيين العالميين الذين حصد
بعضهم جوائر رفيعة مثل نوبل للآداب، كانوا من هذه الفصيلة عينها، بعضهم كان هو
شخصيا مزدوج الانتماء كالروائية هيرتا موللر، والروائي ميلان كونديرا، وسلمان رشدي،
والروائي التريندادي فرانسيس نايبول. ان بطل رواية أطفال منتصف الليل (الأكثر
تقديرا بين روايات سلمان رشدي) يحكي بتهكم مرير عن تداخل من خلال شخصية الطبيب آدم
عزيز الذي تعلم في ألمانيا ثم عاد ليواجه صراعا ثقافيا في بلاد تتأهب
للاستقلال.
ويتخذ الهندي صاحب رواية «النمر الأبيض» الحائزة على جائزة مان
بكر 2008، آرافيند آديجا، من حيلة روائية على هيئة رسالة مطولة إلى رئيس الوزراء
الصيني ليقارن بين وضعين للدول المسماة بالنامية والتي خضعت لابتزاز رأس المال،
الذي بدوره دمر بنيتها الأخلاقية، سواء أكان نظامها ديموقراطيا كالهند، أو مركزيا
سلطويا كالصين، معيدا النظر في مجمل التراث الثقافي المدمَّر والذي تحول الى خليط
ممسوخ من قيم استغلالية متناقضة.
الآخر
هنا
يدفعنا ذلك إلى إعادة النظر بطبيعة الرواية المحلية وأسلوبها في
سرد الحياة الاجتماعية المخترقة دائما بالآخر، أو الواقفة على جسر أو بين مفترق طرق
حضارية.

بعد سفره إلى الولايات المتحدة الأميركية، مثل بطل «الطير
الأبابيل» من أجل الدراسة يقيم علاقة مع فتاة أميركية سوداء. اللقاء يكون كاشفا
لنوعين من تراث التمييز يكشف كل منهما الآخر، ويبدو هذا اللقاء بدوره مثقلا
بالمعاني مع وجود التفاوت الحضاري واختلاف الثقافة ومخزون القيم هنا وهناك.
لا شيء
أعرفه

ليس هذا فحسب، بل إن بطلة «ارتطام لم يسمع له دوي» تواجه إحدى
المشكلات التي يعانيها الوطن الأم، مشكلة غير محددي الجنسية أو «البدون» عبر شخصية
ضاري، تجد فرح في شخصيته التمرد، وان كانت تقف متسائلة عن معنى التمرد ذاته أهو ضد
الوطن أم الذات؟
الرحيل
دائماً

انفتاح له ما
بعده
لاشك أن السرد الروائي الكويتي عرف قبل ذلك أشكالا من التناول
«البَيْني» للشخصية الروائية، في أعمال اسماعيل فهد إسماعيل وطالب الرفاعي وغيرهما،
بل إن رواية «أما بعد» لوليد الرجيب التي تقدم قصة اليهود في الكويت، ما كان يمكن
برأيي أن تكتب الا في وقت لم تعد فيه الفكرة الكلية عن الوطن ككتلة واحدة متجانسة،
أو كسفينة كما يحب أصحاب الأغاني تصويرها، يلتف ركابها حول الشراع نفسه في مواجهة
العالم ممكنة. أقول ما كان لمثل هذه الأعمال أن تكتب لولا انفتاح فكرة الوطن نفسها
تحت ضغط العولمة وهمومها، وانحسار الدور الوطني الجامع، وبروز فكرة الأقليات
وحقوقها وحالات التهميش متعدد المستويات، وهي كلها موضوعات قد تعيد صياغة الخريطة
الروائية في الكويت كما في غيرها.
نشرت في: