عيب!


سعود السنعوسي:

عندما كنا في سنوات عمرنا الأولى، كنا لا نشعر بأي مسؤولية تجاه أي شي، فقد كنا نقدم على أي فعل دون تخطيط أو تفكير بالنتائج، ويكون ذلك عادة لشد انتباه الغير أو لمجرد التسلية. وبناء على ذلك كنا كثيرا ما نرتكب أخطاء، وكثيرا ما نعاقب عليها من قبل آباءنا وأمهاتنا بالضرب على ظهر الكف ضربة لا توجع بقدر ما تشعرنا بالخجل من أنفسنا، خصوصا إذا ما تبعت هذه الضربة كلمة: عيب!
ظهرت في السنوات القليلة الماضية قنوات فضائية كويتية خاصة، تمكن بعضها من التربع على قمة النجاح في وقت قياسي نظرا لنوعية البرامج ومستوى الطرح فيها، وفي المقابل ظهرت نوعية أخرى من الفضائيات تتمثل في تلك القنوات التي مازالت تتخبط محاولة أن تثبت وجودها بأي وسيلة كانت. وقد تمكنت بالفعل من ذلك مع شديد الأسف. ولكنها وان تمكنت من استقطاب عدد لا بأس منه من المشاهدين فهي لم تصنع إنجازا على الإطلاق، فاستقطاب المشاهدين بات أمرا ليس بتلك الصعوبة، بل انه من السهولة بمكان تكوين قاعدة جماهيرية اعتمادا على بعض المراهقين عمريا وفكريا، أولئك الذين ليس لديهم ما يشغل فراغهم سوى الاتصال بالفضائيات لسبب أو دون سبب. ولكن الأمر الذي يشكل تحديا هو استقطاب شريحة كبيرة من المشاهدين مقابل طرح هادف بعيد عن الإسفاف، طرح يخاطب عقل المشاهد دون اللجوء إلى إثارة الفتن والأزمات لتحقيق مكاسب مادية أو لمجرد تحقيق الشهرة للفضائية. قد تتمكن الفضائية من تحقيق حضور جماهيري باستخدام أساليب ملتوية، ولكن سرعان ما تصبح النتائج عكسية على الوطن والمواطن، حيث تستفيد تلك القناة من (شهرتها) بينما يعاني الوطن من (التشهير). ان الفضائيات التي تستخدم تلك الأساليب لاستقطاب المشاهدين هي كالطفل تماما، لا تعي معنى المسؤولية، ولا تفكر بالنتائج، ونظرا لانصراف الناس عنها فهي تحاول بشتى الطرق لفت الانتباه حتى لو كلف ذلك تدمير ما حولها، بل ان تصرفات الطفل تتصف بالبراءة في حين تلك الفضائيات ليست من البراءة بشيء.
انه لمن المؤسف حقا أن تناقش بعض القضايا السياسية أو الاجتماعية الحساسة بتلك الطريقة الهزلية، وذلك عن طريق تلك البرامج التي تعتمد على اتصالات المشاهدين. لا ننكر بأن بعض المتصلين هم أصحاب قضايا تستحق المناقشة والبحث عن علاج ولكن! كم هو عدد العقلاء الذين يشاركون بتلك البرامج مقابل أولئك الذين قاموا بتحويل الشعب الكويتي إلى فرجة نتيجة لطرحهم الرديء وأسلوبهم الفج في مناقشة قضايا المجتمع؟!
أتساءل، ما هو الانطباع الذي تتركه تلك القنوات الفضائية في مخيلة المشاهد في الخارج؟ ما هي الأوضاع في الكويت؟ وكيف تدار الأمور في هذا البلد؟ وما هو نوع هذا الشعب ومستوى ثقافته؟ فبالنسبة لي شخصيا، لأول مرة أعرف بأن الكويتيون (يهوّسون)! نعم هذا ما سمعته في بعض الاتصالات، مجموعة من الذين لا عمل
لديهم نساء وأطفال يعتقدون بأنهم (بهوساتهم) تلك يعبرون عن حبهم للكويت ولأمير البلاد، يا له من أسلوب! فلا الكويت ترضى بتك الأساليب، ولا أظن بأن سمو أمير البلاد تسعده تلك الطريقة في التعبير عن حبهم له، فخير من الهتاف باسم سموه بتك الطريقة هو اتباع نصائحه بالحفاظ على السفينة التي يقود سموه دفتها. وفي بعض الاتصالات يمكنك أن تستمع إلى المتصلين يستهزئون بالدولة أو المسؤولين دون التفريق بين الاستهزاء بالأشخاص وانتقاد السلوك. كنت أخشى على صورة الكويت في عيون من حولها، ولكن أجدني اليوم أخشى على صورتها في عيون أبنائها، فما الذي أصابنا؟!
من الأمور الغريبة التي أستمع إليها في كثير من الأحيان هي إصرار بعض المذيعين في تلك الفضائيات على ترديد عبارات المديح المبالغ فيها للكويت والكويتيين، فلا أجد سببا مهما كان عشقي كبيرا لبلادي يدعوني لأن أمتدحها بهذا الشكل: نحن الكويتيون أحرار.. نحن في الكويت محسودون.. هذا الشعب ليس كمثله شعب!
كلا، ليس هذا تعبير عن حبنا للكويت على الإطلاق، نحن لسنا بحاجة لمن يذكرنا بأننا أحرار، ولا يكرر مثل تلك العبارات إلا من لديه شك في ذلك، ولا أعتقد بأن حبي لبلادي يجعلني أصف شعبها بالكمال. إطلاقا ليس هذا هو الحب أو الولاء، فالحب الحقيقي والولاء يتمثلان في البحث عما يسيء لأوطاننا وبمواجهة عيوبنا لمعالجتها بأساليب راقية تعكس الصورة الحقيقة للأحرار الذين نتحدث عنهم. أما المتاجرة بقضايا الناس وتحويلها إلى سلعة لكسب مزيد من الأموال والشهرة فهو أمر مرفوض لا نقبله ولا نرتضيه، كما لا نقبل بتعميم الإساءة للغير والتحرش بالفتنة التي ليست بحاجة لمن يوقظها لأنها مستفيقة منذ زمن في هذا البلد. فكفانا تلطيخا بسمعة الكويت بحجة الدفاع عنها وعن قضاياها. فلنثبت بأننا أحرارا بالفعل دون اللجوء إلى الشعارات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولنوظف حريتنا في خدمة وطننا، وبدلا من الإشارة إلى أننا محسودون في الكويت فلنقضي على الحسد الذي عشش واستوطن نفوسنا تجاه بعضنا البعض حتى بات الأخ يضمر الشر لأخيه.
لست أدعو في هذا المقال إلى تكميم الأفواه وفرض رقابة حازمة على تلك الفضائيات وعلى من يشارك بها، فحرية التعبير كفلها الدستور الكويتي منذ زمن، وهي حق للمواطن لا نقبل أن يسلب بأي حال من الأحوال، ولكن ما نفتقده حقا هو العقل الذي نريده أن يستفيق من غيبوبته وأن يضرب تلك القنوات الفضائية وبعض من يشارك بها على ظهور أكفهم مرددا كلمة: عيب! مذكرا إياهم بواجباتهم ومسئولياتهم، ومشعرا إياهم بالخجل نتيجة الدور السلبي الذي يقومون به، ظنا منهم، جهلا أم عمدا، بأنهم بهذه الأساليب يعبرون عن حبهم لوطنهم ساعين لخدمة الشعب، فوالله ما توقفت عند تلك الفضائيات بالصدفة مرة إلا والتقطت أذناي ما أحزن قلبي مرددا في داخلي: عيب هذا الذي يحدث في بلادي .. عيب.

نشرت في:


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مدينة الأحلام

هلا فبراير .. إلى من يهمه الأمر!

كيف تغني الكويت من دون صوتها؟