لمن نكتب؟


سعود السنعوسي:

لمن نكتب؟ .. يتبادر إلى ذهني هذا السؤال دائما بعد فراغي من كتابة المقال الشهري الذي ينضح بهمومي. وما ان أشرع في البحث عن الإجابة حتى أجد نفسي محاصرا بين العشرات من الأسئلة التي تقودني في نهاية المطاف مباشرة إلى الاحباط. فهل يتسنى لنا تغيير الواقع بواسطة مقال؟ رغم معرفتي المسبقة للإجابة فانني أكتفي دوما بـ "آمل ذلك"، ورغم الصوت الذي يتردد في داخلي: هم يأملون ذلك أيضا – في إشارة إلى كل من يكتب – وقد اجتمعت أقلامهم على رفض الواقع الذي تعيشه البلاد، ولكن! بقي كل شيء على ما هو عليه، بل ازدادت الأوضاع سوءا رغم الأقلام التي تنزف أحبارها في كل يوم في صحفنا اليومية.
في بدايتي، أو لأكون أكثر دقة، في بداية بدايتي، بما انني لازلت في بداية الطريق، كنت أشعر بالسعادة للردود المؤيدة لما أكتب، وكنت أرى أني قد أدركت غايتي إذا ما قال لي أحدهم أنه يشاركني الرأي، وكنت أشعر بنشوة إذا سمعت أحدهم يقول: جبتها عالجرح أو كلامك منطقي، ولكن سرعان ما اكتشفت أن كل تلك المحاولات لم تكن سوى مواساة لمن يشاركونني الشعور، نعم، فنحن نواسي بعضنا البعض لا أكثر، نقوم بواجب العزاء، ونبدي الاعتراض والرفض، لنريح ضمائرنا، ولنخلي مسؤوليتنا أمام أنفسنا. أقرأ مقالا لأحد الزملاء، لأردد في داخلي بعد ذلك: ياه .. مقال رائع، وألتقط سماعة الهاتف لأجري معه مكالمة سريعة، أبدي خلالها اعجابي بالمقال، ثم ننهي المكالمة بعد مناقشة سريعة لما تضمنه المقال بعد أن يفرغ كلانا همومه للآخر، ثم ما تلبث أن تعود الأسئلة المتعبة لتلتف من حولي مجددا، دون أن تترك لي ثغرة صغيرة أتمكن من الهرب من خلالها. انه لمن المحبط أن نتداول ما جاء في المقال، بينما يغط أصحاب الشأن في نوم عميق، دقائق من التفكير، ثم تتجلى أمامي مجموعة من الأحرف تشكل سؤالا جديدا: لماذا نكتب؟ أحاول أن أبعثر تلك الأحرف لأعيد ترتيبها مرة أخرى لتشكل الإجابة التي ترضيني، ولكن! تبقى الحيرة هي الاجابة الوحيدة لكل تلك التساؤلات.
قبل ما يزيد عن العامين، كتبت مقالا عن حرية الرأي، وبأننا هنا، في الكويت، نملك ما لا يملكه الكثير غيرنا، وأن حرية ابداء الرأي مكفولة للجميع، وبالغت في التباهي في ذلك الحق، ولكني أجد نفسي اليوم لا أختلف كثيرا عمن حرم من هذه النعمة – حق إبداء الرأي – فالفرق الوحيد فيما بيننا هو انني أتكلم علانية، في حين هو يردد مطالبه في السر كالأخرس، ولكن العامل المشترك بيني وبينه هو أن أغلب مطالبنا - المتعلقة بمستقبل البلاد - لم تتحقق، فنداءاته لم تصل لأصحاب القرار هناك، نتيجة لـ "كاتم الصوت" الذي يحيط بحنجرته، كما ان نداءاتي ماتت على جدار "عازل الصوت" الذي سد به المسؤولون، هنا، آذانهم، فكل ما تخطه أقلامنا ليست سوى فضفضة، وكل ما نقوم به هو أننا نتقياْ همومنا على الأوراق، لنشعر بعد ذلك بشيء من الراحة.
قبل فترة قصيرة، كنت أستغرب انصراف البعض عن القضايا المهمة والتفاتهم لـ: حفرة أو "مطبّة" أو رصيف متهالك في الشارع رقم كذا، أو مواقف السيارات أمام المبنى الفلاني، الا انني اليوم على يقين أن هؤلاء يخدمون بلادهم بطريقة أخرى، بعد أن تسلل اليأس إلى نفوسهم نتيجة عدم استطاعتهم ردم "الحفرة" التي تتوسط طريق مستقبل البلاد، أو "المطبة" المستلقية على طريق نهضة الكويت، أو "الرصيف المتهالك" الذي يقف عليه المواطنون وهم يشاهدون كويتهم تسير من سيء إلى أسوأ. أنا لا أحّمل كامل المسؤولية لأصحاب القرار، فليس كل ما يكتب موجه لهم، بل ان هناك الكثير من المقالات والنداءات الموجهة للمواطن، إلا ان نتائجها ليست بأفضل حال من غيرها، فالنتيجة واحدة، والكل يتفق على تردي الأوضاع وتفشي الفساد، ومع ذلك "العين بصيرة والإيد قصيرة" ولست أنا بأفضل من هؤلاء.
قد يراني البعض كثير التشاؤم، قد أكون كذلك، فأنا أنتمي لهذا الواقع، ورغم ذلك سوف لن أتخلى يوما عن قلمي، وسوف أتمسك في حقي بإبداء رأيي، وسأحاول أن أشعل في كل مقالة شمعة بدلا من أن ألعن الظلام.
لدي الكثير من الآمال لهذه الأرض التي (عذرا .. فلن تسعفني الأحرف في وصف مقدار حبي لها)، كما ان لدي أمل بانه مهما ماتت نداءاتي قبل أن تصل لوجهتها، قد يأتي اليوم الذي تتحالف فيه الأصوات، لتزعق في آذان أولئك اللاهثون وراء مصالحهم الشخصية، لتهشم ذلك الجدار العازل الذي سدّوا به آذانهم.

نشرت في:


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مدينة الأحلام

هلا فبراير .. إلى من يهمه الأمر!

كيف تغني الكويت من دون صوتها؟