شاركونا الجهل!


سعود السنعوسي:

لا يحتاج الناخب إلى من يلفت انتباهه إلى شعارات الكثير من المرشحين في حملاتهم الانتخابية الأخيرة، والتي وان اختلفت في صيغتها فهي تتفق اتفاق تام في مضمونها، تلك الشعارات التي كانت تركز على التفاؤل والأمل والبعد عن اليأس وكل ما يدعو إلى التشاؤم. ومن وجهة نظري أن العزف على أوتار الأمل بحد ذاته ينبهنا إلى حجم اليأس الذي بدأ يتسلل إلى نفس المواطن الكويتي.
شاركونا الأمل .. متفائلون .. إياك واليأس من وطنك .. متفائلون وبكم واثقون .. والخ من الشعارات.
أعتقد أن المواطن الكويتي بدأ يلامس حدود اليأس، إن لم يبحر في محيطاته بعد، والأخطر من ذلك هو اليأس الذي احتل قلب الوطن، وهو ليس كاليأس الذي يحذرنا منه أحد النواب، إطلاقا، فليت من كان ينادي المواطن بعدم اليأس من وطنه أن يلتفت للوطن الذي يئس من مواطنه.
لا يمكن أن يكون لمفردة التفاؤل معنى ما لم نتحرك وننتفض للسير بوطننا نحو الاتجاه الصحيح، فآخر ما أتمناه هو أن يصبح تأثير هذه المفردة كتأثير المخدر "البنج" الذي ينتشر في أنحاء الجسد لفترة مقدرة يتلاشى بعدها تدريجيا لتعود الآلام مجددا تنخر بنا حتى .. نموت.
انقسم المواطنون إلى عدة اتجاهات، البعض يرى أسباب تردي الأوضاع في الحكومة والبعض يراها في مجلس الأمة والبعض الآخر يراها في الاثنين معا. كم هو ظريف هذا المواطن الذي "يقتل القتيل ويمشي بجنازته" كما يقول الأشقاء في مصر، وكأن النائب "طق باب المجلس ودرعم" دون أن يكون للمواطن الدور الأول والأخير في إيصاله لقبة البرلمان. ان لم تكن تجربتنا الديموقراطية التي تقدر بحوالي خمسة وأربعون عاما كفيلة بتوعية الناخب إلى أهمية دوره في الاختيار، فكم عام سنحتاج ليدرك الشعب أهمية هذا الدور؟ لا أود أن أعمم، ولكن، النسبة التي تجهل أهمية "صوتها" كبيرة جدا، لا يحتاج الأمر إلى دراسات وأبحاث، يكفيك أن تسأل من حولك عن أسس اختيار النائب الذي يستحق أن يمثل الشعب لتمطر سحب الجهل من فوقك. قليلون هم من أجابوني، حين سألتهم، أنهم قد اختاروا المرشح الفلاني لفكره وثقافته وطرحه أو مؤهلاته. قلت لأحدهم هل ستصوت لفلان؟ وجاءني رده الصاروخي قائلا: يا أخي يعجبني طرحه .. انسان مثقف .. فاهم .. ورغم انه ليس متطرفا .. إلا انك تعرفني جيدا لا أصوت لـ "ملتحي"!
وأسأل أحد الأصدقاء عن مرشح آخر ليأتيني ردّه: يا أخي ودّي أعطيه صوتي .. أكاديمي وفاهم .. بس "يوّلي" ليبرالي!
وما أكثر الردود الغريبة التي استمعت إليها من عدة أشخاص مثل: "هذا نسيب جارنا بو محمد"، و"والله ما دام الحكومة تعطي فلان وعلان وما تعطينا راح أصوت لفلان وأقبض 1000 دينار أحسن من ما ميش" أو "آنا صوتي مقطوع لفلان ابن القبيلة عشان ينفعنا بالمجلس" .. "وفلان سفّر أمي للعلاج برة" .. والكثير الكثير من الردود التي لا يمكنني حصرها في هذه الصفحة، ولو احتملت الصفحة ذكرها فلن أذكرها خجلا مما وصل إليه البعض من سطحية وعدم احساس بالمسؤولية و .. جهل.
يا من دعوتمونا للتشبث بالأمل والتفاؤل والابتعاد عن اليأس، هل أدركتم الآن لماذا لم تنجح شعاراتكم؟ لأن الأغلبية لا تكترث لهذا الأمل، لأن لديها يقين وإيمان راسخ أن بمقدورها إنجاح أي مرشح ترغب به، دون الاكتراث لمؤهلاته أو فكره أو تطلعاته نحو المصلحة العامة طالما أصبحت كل التطلعات تتوجه نحو المصلحة الشخصية والولاءات الأخرى.
والسؤال الذي يطرح نفسه، إن لم يصوت ابن القبيلة سوى لابن قبيلته، واذا انحصرت أصوات ابن المذهب السني للسنة، والشيعي للشيعة، وإذا احتكر تجار الأصوات أصوات الجهلة وعبدة المال، فمن الذي سيمثل الأقلية في هذا الوطن؟ من الذي سيمثل الكويتيين الموالين للكويت فقط؟!
واحد فقط ممن سألتهم قال لي: "سأمنح صوتي للأصلح، سنيا كان أم شيعيا شريطة أن يرى أبناء الوطن سواسية في الحقوق والواجبات، إسلامي كان أم ليبرالي، على أن يضع مصلحة الوطن والمواطن نصب عينيه دون التطرف والتشدد في توجهاته، صوتي ليس حكرا لمن ينتمي إلى مذهبي أو قبيلتي أو لمن لا يستحقه، سأصوت لأربعة مرشحين "كويتيين" فليكن من بينهم حليق الذقن أو صاحب اللحية الطويلة أو صاحب العمامة أو من ينطق الجيم ياء أو العكس .. كل ما يهمني هو حرصه على الكويت ومراعاته لله أولا ثم المواطن في عمله .. هذه هي أسس الإختيار التي التي تسألني عنها، رغم من صعوبة الاختيار يا صديقي".
ان كل ما نحتاجه هو استنساخ هذا الصديق، ليولد جيل جديد يمثل شريحة كبيرة من المواطنين يكون لديها هذا الحس الوطني البعيد كل البعد عن التعصب والتطرف و .. الجهل، حينها فقط ستغني الكويت : شاركوني الأمل والتفاؤل والعمل .. بدلا من أن يغني المواطن في كل موسم انتخابي : شاركونا الجهل .. والتخاذل والكسل !
فإن لم يتحول هذا (الأمل) إلى (فعل) سوف تدعونا هذه الشعارات بلا شك إلى الملل .. واليأس من جديد من كل شيء في هذا الوطن .. فنحن شعب لا ينقصنا شيء ولله الحمد سوى .. الوعي.

نشرت في:
 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مدينة الأحلام

هلا فبراير .. إلى من يهمه الأمر!

كيف تغني الكويت من دون صوتها؟