بين بلادي .. والغرفة المجاورة!


سعود السنعوسي:

لأول مرة أكتب مقالا وأنا خارج الكويت، بعيدا عنها وعن أخبارها، وأكاد ألا أعرف شيئا عنها سوى انها – كما يقولون – تحتفل بعرسها الديموقراطي، وبعض الأخبار التي يتلقاها هاتفي بين الحين والآخر عن طريق بعض الشركات الاخبارية التي ترسل أهم الأخبار بواسطة الرسائل القصيرة.
لست بعيدا عن الكويت بالقدر الذي يجعلني أجهل الأحداث التي تجري بداخلها، ولكن انشغالي مع المريضة التي أرافقها في رحلة علاجها هو ما أجبرني على التوقف عن متابعة أخبار بلادي. لا أنوي استغلال هذه الصفحة بكتابة موضوع شخصي أو تدوين مذكرات تراجيدية لشاب يرافق مريضة خارج بلاده، ولكن، بعض الأحداث الشخصية، تفقد خصوصيتها إذا ما تكررت لأشخاص كثر، لتصبح ظاهرة عامة.

* * *

"سمو الأمير يحل مجلس الأمة حلا دستوريا" .. انتهى نص الرسالة القصيرة ولم تنتهي التساؤلات في ذهني .. وماذا بعد؟!
أعرف أن الانتخابات القادمة ستكون مختلفة بعد اقرار قانون الدوائر الخمس، ولكن، ماذا عن النتائج؟ هل ستكون أفضل؟ الأغلبية تؤكد ذلك، ولكن، هل ستكون بمستوى الطموح؟ هذا ما لم تؤكده الأغلبية.
أما آن الأوان للتغيير؟ الكل يطالب بذلك، والكل يعي تماما ما يجري في الكويت من تخلف في شتى المجالات، بل تطور ذلك التخلف ليصبح خطرا يتربص بمستقبل البلاد واستمرارها، ورغم ذلك بقي الحال على ما هو عليه. أتمنى، بل أدعو الله بصدق أن ينقذ الكويت من الأخطار التي تتربص بها، فقد أصبح البعض يلمس أطراف النهاية، وإذا لم نستيقظ من غفلتنا سندرك النهاية جميعا وقريبا، كيف ومتى؟! لست أدري ولكن كل المؤشرات تضاعف مساحات التشاؤم في النفوس. قبل أن تصفني بالمتشائم، اسأل من هم حولك، وهذا ما فعلته أنا بعد أن اتهمت نفسي بالتشاؤم وبأني أنظر إلى نصف الكوب الفارغ كما يقولون، ولكن الجميع متخوف، الانسان البسيط والمثقف على حد سواء. يقول أحدهم، وهو ممن لا يعرفون شيئا في الحياة سوى مهامهم الوظيفية والعائلية: "الله يستر من الي جاي، الأوضاع في البلد ما تطمن"، وعندما أستفسر منه عن المؤشرات التي بنى عليها تلك النظرة، يرد : "والله ما أدري، لكن شوف شقاعد يصير في الديرة!" ويبدأ في الحديث عن ارتفاع الأسعار وجشع التجار وتردي الخدمات وأزمة الكهرباء وتفشي الجريمة والمخدرات وغياب دوري الحكومة والمجلس. هذا ما يراه المواطن الغلبان، وأنا لا أعني الغلبان ماديا، بل أعني البسيط  الذي لا يعرف عن أمور الحياة سوى القليل، أما ما يراه المثقفون والمطلعون، فأقل ما يفعله بنا هو أن يقتلع نبتة الأمل من نفوسنا دون أي جهد يذكر.
كان يجلس أمامي، واضعا خده على راحة كفه، ويده الأخرى فوق رأسه المثقل بالأفكار ..

- دكتور؟ ما بك؟

- للأمانة .. أنا مرعوب ..

كدت أضحك في بادئ الأمر، فقد تذكرت شخصية "مرعوب" في المسلسل الشهير (الأقدرا)، ولكنه ما أن نطق بأسباب ذلك الرعب الذي يشعر به - وهو رعب ناتج عما يراه في مستقبل الكويت وهو عاشق لها حتى النخاع - حتى خيّل لي أنني أستمع لنواقيس الخطر تدق في أذنيّ مع كلماته. فإذا كان الجاهل أو البسيط يشعر بالخوف بسبب غلاء المعيشة وتردي الخدمات وما ينظر إليه من حوله، فإن ما يراه المثقف، وهو الذي ينظر للأمام، لهو أشد خطرا "إذا ما استمرت الأوضاع على ما هي عليه". أراك عزيزي القارئ تنتقل بين الأسطر لتعرف ما الذي قاله لي ذلك الـ "مرعوب"، لا تتعب نفسك في البحث عنه في هذه الصفحة، فأسباب "رعبه" موجودة حولك وباستمرار، انظر للكويت بقلب محب، وسترى كل شيء.
يبقى السؤال الذي يطرح نفسه، هل لا زال الوقت بأيدينا لتدارك المشاكل؟ والجواب هو نعم بكل تأكيد، وأفضل ما يمكن عمله في هذا الوقت تحديدا للكويت، وكي لا يصبح المواطن الكويتي "مرعوب" على بلده، فلنصوت لمن يستحق، بعيدا عن المصالح القبلية والطائفية، ولتكن الكويت هي مصلحتنا العليا، ولندعم من ينادي بمصلحة الكويت، علّ الطمأنينة تسكن القلوب المرعوبة. فبرغم كل المؤشرات يبقى هناك أمل. قد تنقذ الكويت بواسطة صوتك عندما تمنحه عن قناعة لمن يستحق.

* * *

في الكويت:

السيناريو الأول: جلس خلف مكتبه الخشبي، مرتديا معطفه الأبيض، وبكل ثقة، قال: ان ما تشعر به المريضة من اضطراب في نبضات القلب ناتج عن نوع العلاج الذي تتعاطاه لمرض الضغط، لن تحتاج لشيء سوى تغيير نوع الدواء لنوع آخر يلائم حالتها .. ألف سلامة يا حجة!

السيناريو الثاني: بعد التحاليل أشعة التردد المغناطيسي والتخطيط وغيره من أمور لم أسمع بها قط: كل التحاليل سليمة ولكن هناك تجلط "خفيف أوي" في الدم!
أما بقية السيناريوهات فهي كلام فارغ لا يقل عما سبق.

في الخارج:

السيناريو الأول: تعاني المريضة من انسداد في ثلاثة شرايين رئيسية، نسبة انسداد أحدهم 92%، ولابد من إجراء عملية جراحية حالا.

أجلس حاليا في الممر، وهي في الغرفة المجاورة، في عناية الرحمن جل شأنه، وبين أيدي الأطباء، مفتوحة القفص الصدري، بعد أن شقوا صدرها بمشرطهم من أسفل الرقبة إلى ما فوق السرّة بقليل ليدركوا قلبها، وهاتفي يستقبل أخبار عرس بلادي المنتظر، في حين أُرسل للأحباء، هناك، آخر أخبارها، تلك التي في .. الغرفة المجاورة.
بالمناسبة، لست في بلاد غريبة عن الكويت، كتلك البلدان البعيدة التي تشتهر بمصحاتها ومستشفياتها وخدماتها الطبية، لا اطلاقا، بل انني في بلد لا يختلف عن الكويت من ناحية الامكانيات والموارد. قد يكون الاختلاف هنا في الاهتمام فقط، من الناحية الطبية على أقل تقدير .. أكتب مقالة هذا الشهر وأنا في ممر أحد مستشفيات الرياض في المملكة العربية السعودية.
و .. الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه ، الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله.

نشرت في:
 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مدينة الأحلام

هلا فبراير .. إلى من يهمه الأمر!

كيف تغني الكويت من دون صوتها؟