مع المسرح من جديد


سعود السنعوسي:

في نوفمبر 2006 كتبت مقالا عن المسرح الكويتي وما آل إليه من مستوى أقل ما يقال عنه بأنه هابط، وكنت قد وعدت القارئ الكريم في نهاية المقال بأن يستمر الحديث حول أبو الفنون الكويتي في العدد الذي يليه -ديسمبر- إلا انني لم ألتزم بوعدي بسبب ظهور بعض الأحداث التي وجدت أنها أهم من مسرحنا "المسيچين". وها أنا اليوم أجد قلمي يكتب عن المسرح الكويتي دون رغبة مني، ولكن لنقل أنه التزاما منه بالوعد الذي قطعته للقراء، ولأن مسرحنا وجمهوره وبكل أمانة "كاسرين خاطري".

المسرح الهادف

ما هو المسرح الهادف؟ لنترك المفاهيم والتعريفات المعقدة لبعض النقاد والفنانين ولنقل أن المسرح الهادف بكل بساطة هو المسرح الذي يحمل فكرة أو رسالة ذات مضمون هادف يقوم بتوصيلها للجمهور، أما المسرح التجاري فهو -من اسمه- المسرح الذي يعتمد على الربح، والربحية بكل تأكيد مشروعة في الفن، ولكن، لماذا لا يكون المسرح التجاري "الحالي" هادفا؟ ولماذا يستخسر على جمهوره ممن دفع قيمة التذكرة 5 أو 7 أو عشرة دنانير أن يخرج من قاعة المسرح بفكرة ذات قيمة؟
كل الفنانين -في المسرح على وجه التحديد- يدّعون بأنهم يقدمون فنا هادفا، ورسالة ذات مضمون للجمهور، وأنا كمتابع للحركة المسرحية في الكويت أسأل: أين هي تلك الرسالة السامية التي يحملها الفنان على عاتقه ليقدمها لجمهور المسرح؟
حضرت الكثير من المسرحيات الأخيرة و "تأففت" لأربع أو خمس ساعات متواصلة في انتظار الرسالة السامية، ولا أجد على عاتق الفنان سوى المئات من الرسائل المنحطة والتلميحات المقززة. ولكن، الفنان أذكى من أن يدع فرصة لأمثالي كي ينتقدوه، فبعد أن يحشو أدمغة الجمهور بأطنان من الأفكار الهدامة، والتلميحات غير الأخلاقية، ولساعات متواصلة، ينهي مسرحيته بكلمة مستهلكة لا تأخذ منه سوى 4 أو 5 ثوان بعيدة كل البعد عن أحداث المسرحية ظنا منه بأنه، بهذه الطريقة، قد أدى واجبه بتقديم مسرحا هادفا!

دقت الساعة!

قبل بضعة أيام توجهت لأحد محلات الفيديو لأشتري شيئا من ماضينا الجميل، شيء من الفن الصادق، اشتريت أكثر من مسرحية "حقيقية" من بينها المسرحية السياسية "دقت الساعة" وهي من إخراج عبدالأمير التركي وتأليف سعد الفرج وعبدالأمير تركي، بطولة: سعد الفرج والراحلين خالد النفيسي وعبدالعزيز النمش ومحمد المنصور وجاسم النبهان، أما الأشعار التي يقوم بإلقاءها الفنان خالد العبيد فهي من كلمات الراحل د.عبدالله العتيبي.
لم تكن مسرحية طويلة كالتي "يطفشنا" فيها ممثلو هذه الأيام، بل على العكس كانت قصيرة جدا إذا ما قورنت بمسرح اليوم "الخرطي"، ومع ذلك ضحكت حتى سالت الدموع من عينيّ، وخرجت بمضمون هادف ومعلومات جمة لا يوفرها لنا المسرح في هذه الأيام رغم ساعات العرض الطويلة.
شوف وتعلم!

مسرحية دقت الساعة رغم أنها عرضت على المسرح عام 1985 إلا انها تحاكي الواقع الكويتي الحالي بطرح راق وأسلوب يحترم عقلية المشاهد، والجميل في الأمر ان المسرحية تناقش الكثير من القضايا التي انشغل عنها الممثل اليوم بأمور سخيفة محصورة بين "العيمي والبدوي والخال والطنازة على السنة والشيعة".
رغم مرور ما يقارب الـ 22 عاما على عرض مسرحية "دقت الساعة" إلا أنها ناقشت العديد من القضايا الهامة: كالفساد والإصلاح الذي نتحدث عنهما في هذه الأيام، والتكتلات والأحزاب السياسية والقومية والوحدة العربية، كما ناقشت بأسلوب جريء وراقي قضية الطائفية بين "السنة والشيعة" والطبقية وتعديل مواد الدستور وسيطرة التجار على المراكز التجارية في البلاد وتحيّز الصحافة التي أصبحت صحافة "عائلات" بعيدة عن الرأي العام، والانتخابات الفرعية والتأثيرات الخارجية على مستقبل الدولة، والاختلاط وضوابط الاختلاط ومشاركة المرأة في بناء المجتمع، كل هذه القضايا تمت مناقشتها بأسلوب كوميدي هادف دون تجريح أو قلة أدب قبل 22 عاما .. فأين مسرحنا الحالي عن قضايا المجتمع؟!

الزبدة: قال شكسبير ذات يوم: "أعطني مسرحا .. أعطيك شعبا عظيما"
"خلف الله عليك" يا حجي شكسبير!

نشرت في:
 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مدينة الأحلام

هلا فبراير .. إلى من يهمه الأمر!

كيف تغني الكويت من دون صوتها؟