المشاركات

عرض المشاركات من 2020

في وداع عام الهشاشة

صورة
«التقطتُ لكَ صورة!». «اِحذفيها من فضلك». «لماذا؟ انظر كيف تبدو، كأنك زيوس في شبابه».        راحت تعبث بهاتفها، فتوهجت شاشة هاتفه برسالة مصوَّرة. فتحَ رسالتها فأبصرَ «زيوس» المزعوم، غير أنه ظهرَ على غير مألوف وجهه الصَّخري. تراءى بلحيةٍ سوداء وَخَطَها المشيب. خيال الإله الموتور الذي ما عرفه إلا إلهً عاجزًا يطلُّ من عليائه في قديم الأساطير، يعتلي الغيمة إذا ما غضبَ فيُطلق البرق. فأطفأ الهاتفَ على خيال الإله الهزلي وأفلت ما يشبه ضحكة. كاتبٌ يعتلي غيمة من قلق، لا حول له على غضب، فضلًا عن «كتابة» البرق.         هو يعرف هذا الوجه تحديدًا إلى أين يمضي. ولأنه يدري؛ فقد آثر صمتًا يشبه الصَّلاة وسط جلبة مزايدات سوقٍ قديم. صمتٌ يشبه ميثاقًا غير مُشهر مع الحياة. يشبه هدنة مع اليأس الحائم في الجوار. هدنة يعبِّئها حزنًا شفيفًا لئلا تغري يأسَهُ مساحةٌ شاغرةٌ في الرُّوح، فيستأنف اليأسُ معركةً ليست متكافئة القوى، فيحتلُّ في الرُّوح مساحة مُغرية صغيرة نفذت بسلامها من نكد العيش. يستوطنها غصبًا مثلَ كل الغاصبين، ولا يَني يتمدَّد مثل الدَّمامل حتى يُقيم في الرُّوح دولة. لا شيء في الروح، لا شيء،

أحمد العربي: قراءة في رواية "ناقة صالحة"

صورة
  بقلم: أحمد العربي سعود السنعوسي روائي كويتي متميز جدا، قرأنا له "ساق البامبو" و "فئران أمي حصة". “ ناقة صالحة” رواية تعتمد أسلوب الخطف خلفا السينمائي، تبدأ من حدث حصل في عام 1941، حين جاء الشيخ محمد وأجيره إلى مدينة الكويت من عمق الصحراء المحيطة، يشتري بعض الحاجات المفتقدة في الصحراء، كما يزور قبرا داخل المدينة بشكل دائم. وعندما سأله أجيره ما قصة القبر الذي تأتي دوما لزيارته؟ أجابه قاصا له حكاية ناقة صالحة. أخبره عن قبيلة آل المهروس وقبيلة الأسمر الموجودتان في الصحراء الممتدة في الجزيرة العربية لتصل إلى الكويت على الخليج العربي. هناك تزوج والد الطفلة صالحة ابن قبيلة آل المهروس وأمها المنتمية الى قبيلة الأسمر، وأنجبا صالحة طفلة تعيش وحيدة والدها، والدتها التي توفيت أثناء ولادتها، لذلك كانت تُسمى صالحة ابنة أبيها، ولها عم يكبر والدها، لديه أولاد ذكور أكبرهم صالح، ويصغره فالح، ولها ابن خال اسمه دخيل. دخيل يعيش بداية شبابه راعيا لجمال ورثها عن أهله الذين ماتوا جميعا، كان يلتقي بصالحة ابنة عمته منذ صغرهما، نشأت بينهما عاطفة كبرت معهما. كانا يلتقيان ويتحدثان، توطدت عل

“ناقة صالحة”: المثيلةُ بعِلْمِ مصيرها عند الله وشاعرها والصحراء

صورة
المثنى الشيخ عطية “ العِلم عند الله”، عبارةٌ تتردّدُ في نهاية كل فصلٍ وتستقرّ خاتمةً أيضاً، لروايةٍ تضوع بمسك الصحراء، وإن لم تكن فاتحةً لها؛ لكنها تعوّض ذلك بفتح النهاية على بدايتها، فتكونَ فاتحة خفاء هذا “العِلم” وتجلّياته المفتوحة على التساؤلات بذلك . رواية “ناقة صالحة” الخامسة للروائي الكويتي سعود السنعوسي، الذي دخل عالم الصحراء بخاتمة “العِلم عند الله”، وفَتَحَ المعلوم المجهول على احتمالات ما يحدث لمنْ يغامر باجتياز رمال صحراء الرواية؛ هي روايةُ تساؤلات التشويق، رغم بساطة وشفافية حكايتها بنسخته التي أضافت متعةً وقيمةً أخرى على ما تعرف منطقة الخليج ما بين السعودية والكويت، من تراث هذه الحكاية . ولا تثير هذه التساؤلات الاهتمام بواقع مصير بطلة الحكاية وابن خالها الشاعر الذي أحبته وأحبّها وحرمتْه قوانين القبيلة منها بطلب ابن عمها الأحقّ بها لها، وفق هذه القوانين فحسب، وإنما تثير على مستوى آخر هو الأهمّ للرواية، الاهتمام بمغامرات الخيال في الخلق، وتكوين البنية الروائية التي تلمّ وتتيح تداخلاته، على صهوات السّرد التي تتطلّب حنكةً ومعرفةً وخبرةً بامتطاء الصهوات في ظرو

«ناقة صالحة».. لقاء في عيون الإبل

صورة
بقلم: محمد علواني. في زمن الحداثة يعود سعود السنعوسي؛ في أحدث رواياته «ناقة صالحة»، وبشكل غير متوقع تمامًا، إلى الصحراء والبداية ليحكي لنا حكاية دخيل بن أسمر؛ ذاك الهائم بالبيداء عشقًا . أتكون هذه العودة نتيجة شعور بالنوستالجيا إلى ما مضى؟ وتفجع على ما فات؟ أيكون” سعود” ملّ من ثيماته السردية فقرر التغيير، والتمرد على ذاته؟ ! رواية ناقة صالحة ربما لن نعثر لهذه الأسئلة عن إجابات، لكن ما بوسعنا قوله إن ميزة هذه الرواية تكمن في تفردها، ليس من جهة الموضوع؛ فثمة طائفة من الأدباء والكتاب تعود الآن إلى البادية وأجوائها هربًا من عضات “الحداثة الفائقة”، وطلبًا للشفاء في الصحراء، وإنما يكمن تميزها في تجرؤ سعود السنعوسي على مخالفة التيار العام في الأدب الراهن، بل مخالفة نفسه هو ذاته، والتمرد على ثيماته وبنياته السردية السابقة . وهو قرر أن تكون روايته مميزة حتى في لغتها، فكتبها بلغة صحراوية بدوية، قل أن يفهما إلا من كان له من البادية حظ ونصيب، فمَن الآن يدرك معنى “ناقة خَلوج”؟! وإن كان الرجل حاول شرح بعض مفرداته مرة أو مرات، إلا أن الشعور الكامن وراء الحروف لن يعثر عليه أ

«ناقة صالحة»: الصحراء التي لا نعرف

صورة
دينا سعد «ناقة صالحة»، حينما تقرأ الاسم تظن أن هناك رمزًا ما. قبل اقتناء الرواية قد تظن أن هناك إسقاطًا لقصة نبي الله صالح وناقته، وأن هناك ربطًا لأحداث قوم صالح بتلك الرواية. ربما تدور أحداث الرواية عن قوم طغاة يقتلون البراءة والنقاء مثلًا؛ لكن ولا أي من تلك التكهنات صحيح. ما أن تُمسك بالرواية وتتناول صفحاتها الأولى ستعرف أن الأمر أبسط من ذلك بكثير، وأن العنوان مباشر وواضح وضوح الشمس في كبد السماء: هناك ناقة، وهناك صالحة؛ ليس أكثر . بعدما تجتاز لغز العنوان وتظن أنك فطن وأن الأمر يسير ستصطدم بعقبة أخرى: ألا وهي اللغة. في بادئ الأمر ظننت الكاتب يستخدم لغة قبائلية أو بدوية أو ما شابه؛ فصرت أبحث عن معاني بعض الكلمات في معجم عربي، وكانت المفاجأة أنها كلمات عربية فصيحة! أيُّ عربية تلك التي لا أعرف وقد كنت أظنني أستطيع فهم جميع مستويات اللغة المستخدمة في النصوص المُعاصرة وحتى القديمة، إلى أن قرأت «ناقة صالحة» التي ذكرتني لغتها بلغة المعلقات التي تبدو عتيقة مهجورة هناك على أستار الكعبة منذ ما يزيد على الألف عام؛ لكن رغم غرابتها تبدو جذابة، وقورة، تشبه بيئتها الصحراوية الجافة و

استنطاق الأشياء... في روايات سعود السنعوسي

صورة
تسنيم الحبيب يشغل نتاج سعود السنعوسي شريحة كبرى من القراء، ذلك أن الكاتب الكويتي قدر أن يكرس تجربته للمستقبلين من الوطن العربي وخارجه عبر تجارب لافتة، كما أنه قدم في الرواية أكثر من لون سردي يجتذب الذائقة العامة مثل ما قدم في: سجين المرايا وساق البامبو وفئران أمي حصة، وما قدمه للقارئ المختلف في حمام الدار وربما ناقة صالحة، ومن الملاحظ أن الناص - من بعد تجربة ساق البامبو - اتجه إلى الاشتغال على تضمين روح الكائن الصامت وإنطاقه بما يخدم فكرة العمل ويفتح أبواباً على عوالم رحبة من التأمل واستنطاق الموجودات ثم إشراكها في بطولة العمل إن لم يكن تضمينها هو روح النص . الكائن: الرمز والتجسيد كانت البداية مع فئران أمي حصة، الرواية التي قدم من خلالها الكاتب قلقه الخاص الذي يمس الشارع الكويتي وما يزعزع أمنه من عواصف الطائفية. قامت الرواية بخلق حالة إنذار، وتحذير، في قالب سردي قوامه يوم واحد فقط ينتقل فيه البطل بسيارته بين ضفتين يفصلهما نهر الموت الآسن، ويقوم البطل من خلال هذه الرحلة باستذكار الماضي ونبش الحاضر وترتيب الأحداث التي تشكل في متن الرواية نقاط التحذير والأسباب والنتا