سعود السنعوسي .. والأربعين ناقد .. قراءة في نسق التلقي السطحي.. / سعاد العنزي

سعاد العنزي


سعاد العنزي


رواية «ساق البامبو» للروائي الكويتي سعود السنعوسي الحاصلة على جائزة البوكر العربية للعام الماضي ، هي رواية أصيلة ومبتكرة وقدمت إضافة كبيرة للأدب الكويتي والخليجي والعربي وحتى العالمي، وتصب في قضية المهاجرين، التي أصبحت قضية عالمية ولها حقل أدبي يعبر عنها، وفلسفي نقدي يتبناها ويحللها، ولعل مفهوم الفضاء الثالث ، والهجنة هما أحد مصطلحات أدب المهاجرين في الغرب. وما قدمته رواية ساق البامبو هو تقاطع حقيقي مع هذه الآداب العالمية والإنسانية. وأنا بوجهة نظري إلى الآن لم أر الرواية قرأت جيدا ، فما بالنا من بعض القراءات الانطباعية والسطحية الساذجة التي كشفت عن مشاعر بعض القراء تجاه فوز الروائي، مما دعاهم للحفر في معجم ومصطلحات النقد السلبي للتقليل من العمل، ليس لشيء ولكن للتقليل من قيمة فوز سعود السنعوسي الذي تخيلوا إنه مدة أشهر وينتهي، ولكن السنعوسي في كل شهر له فعالية في مكان ، ولقاء في أشهر البرامج العربية، واحتفاء بمعارض الكتب والفعاليات المصاحبة لها، إلا الكويت بلده ، كان معرض الكتاب خاويا من لقاء مع هذا الأديب العظيم الذي تتبادل روايته «ساق البامبو» الأكاديميات في بريطانيا  وأنا نفسي تبادلت معهن الرواية، سعود السنعوسي الذي قالت عنه البرووفسورة زاهية صالحي مبدع ذكي جدا، ومتواضع وخلوق، وفكرته رائعة وأصيلة، وتضرب د. داليا مصطفى لطلبتها أمثلة من روايته على تقنية السرد لديه، يبتلى اليوم بنقد مجموعة من القراء السطحيين. وأود أن أعلق  على بعض ما سمعت في الفترة الأخيرة، وأتجاذب الأفكار معهم فهناك من يقول، مثلما قالت الأديبة فوزية السالم اليوم : إن الرواية بها حشو كبير ، وإن الجزء الخاص بالفلبين ممل وليس له ضرورة، وهذه سمعتها من كثير وليس الأستاذة فوزية الشويش وحسب ، لا أريد أن أرد بسطحية مماثلة وأقول المثل المصري : « ما لقاش في الورد عيب قال يا أحمر الخدين»، ولكن أقول هذا أقل ما يقال عنه رد انطباعي يكشف عن الغيظ الدفين من فوز «ساق البامبو» ، فلم لم تصدر هذه القراءة قبل فوز الكاتب ، أم مظاهر الاحتفاء المتزايدة به خلقت لنا تيارا معارضا يود أن يكشف حقيقة «ساق البامبو»، فقضية الجزء الخاص بالفلبين أنا أرى إن هذا هو سر جمال وروعة وأصالة الرواية، تحدث عن منطقة مسكوت عنها في الوعي العربي، فنحن نتعامل مع الفلبيني على إنه خادم، لا نرى إلا مظاهر وجوده بيننا الطاعة والخنوع والذل والعبودية للسيد المسيطر، فقام الكاتب ببراعته السردية لتجسيد هذا العالم المسكوت عنه، والملغى من الثقافة العربية الخاملة المشتغلة طويلا على تمجيد أو الانتقام من الغالب الغربي، فلم يفكر أحد بشكل جدي بقراءة الآخر من دول العالم الثالث، وهذا ما قام به سعود السنعوسي في روايته، وما قام به الأديب الشاب مشاري العبيد بمجموعته القصصية «كشمير» ، مما يعني إنه ثمة التفات للآخر ولكن بطريقة جديدة ومختلفة عن الأدب الذي يعرض لدول العالم الأول والعالم الثالث، وهذا يعكس نظرة عنصرية من كل من لا يستمتع بثقافة الآخر الفلبيني والهندي، فقارئ من هذا النوع يتعالى على ثقافة البيئة الفلبينية والهندية والأفغانية ، ويعكس تعاليه ورؤيته الفوقية لذاته ، فمن هو هذا الفلبيني الخادم الوضيع عندنا ، الذي نقرأ مئتين صفحة عنه وعن بيئته، على الرغم من إني كقارئة وباحثة وجدت جدة وابتكار وأصالة الرواية في هذا الجانب، في تقديم ثقافة جديدة علينا كقراء لا نقرأ إلا قراءة ثنائية القطبية لثقافة العرب والغرب المتطور، أتاحت لي فرصة تأمل الآخر ، والجزء المنقوص من حكاية كل فلبيني يعمل لدينا، ولي دراسة قادمة ستتناول هذا الجانب في الرواية. أريد أن أسأل القارئ الذي لا يروقه عرض الثقافة والمجتمع الفلبيني في الرواية ، هل لو تكلم سعود السنعوسي عن الثقافة الأوربية أو الأمريكية، وجال بكم بشوارعها الشهيرة ووضع شيئا عن قصص فنانينها ومثقفيها ، هل كان هذا يعجبكم ، ويشوقكم لقراءة الرواية. ففوزية الشويش كتبت فصلا كاملا في روايتها «سلالم النهار» عن بعض الأحياء الفرنسية فلم أراها فازت حتى بجائزة محلية، ناهيك عن تشويه صورة المجتمع الكويتي بجميع فئاته بطريقة مبتذلة على طريقة فيلم «حين مسيرة»

للاطلاع هذه مقالتي عن روايتها «سلالم النهار» .
http://www.alraimedia.com/Article.aspx?id=397159&text=%D8%B3%D9%84%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B7%D9%8A&date=23122013

أيضا تطرقت فوزية السالم في مقالها اليوم، لموضوع كيف إن البطل هوزيه استطاع بسنة كاملة أن يقيم المجتمع الكويتي، بالطبع هنا افتراض من المؤلفة إن الفلبيني شخص غبي لا يتمكن من فهم المجتمع الكويتي العبقري بسنوات بينما لو جاء أحد الأوربيين لاكتشف المجتمع الكويتي بشهر، المجتمع الكويتي مجتمع صغير، والتجارب التي مر بها هوزيه قادرة على تعليمه ماهو أكثر من ذلك، وعلى وجه الخصوص إنه رجل يتنقل بالأماكن بسهولة كبيرة ليس كالمرأة.
أما قضية حجم الرواية كونه أربعمئة صفحة، فالروايات الغربية تجاوزت هذا العدد من الصفحات، ولم يقل أحد إنه حشو، مادام الروائي قادر على تقديم شيء جديد ومترابط بكل جزء من الرواية فهذا لا يضر فنية العمل حتى لو وصل إلى ألف صفحة، روايات أهداف سويف، جورج أوريل طويلة جدا جدا تقارب الألف صفحة، ولكن القارئ العربي كسول جدا في القراءة، وقد يكون ما يسميه حشوا هو عمق معرفي ، ورؤية أدبية واضحة وناضجة. نصيحة للأديب الكويتي ابحث عن غير هذه العبارة حشو لا طائل منه، عندما تريد النقد تعلم أصول النقد والمنطقية، وليس أي عبارة تبدو إنها نقدية تلصقها بأي عمل أدبي ناجح.. فكم من أديب شاب قيل عنه لا أستطيع قراءة ثلث العمل، أو مررت الفصل الأول وبدأت بالثاني، لا تريدون تقرأون للشباب قولوا نحن ضد أدب الشباب بكل صراحة، لم اللف والدوران!
* أما قول بعضهم إن رؤيته للبدون قدمت بطريقة منقوصة وشوه صورة البدون، وإن سعود تم تلقينه من البعض، ولا أعلم من هذا البعض، فهو كلام مردود عليه، لم هذا الكلام لم يقال إلا بعد صدور رواية لأحد الأدباء البدون يراد لها أن تنجح على تفكيك وهدم نجاح «ساق البامبو»، فسعود نقل وجهة نظر ماما غنيمة العنصرية ضد البدون، ولم يقل هذا على لسان هوزيه / أو عمته الدكتورة هند ، وهذا لا يعني إنه يتعمد تشويه صورة البدون، وهذا حقيقة يتيح لي الفرصة للحديث عن قضية مهمة عند الأدباء البدون، كونهم لا يتقبلون أي شرخ بسيط يلم بصورة البدون، من كاتب كويتي ، كأن المطلوب من الكتاب الكويتيين تزيين صورة البدون باستمرار ، بينما الأدب الكويتي يتعرض للكويتي والبدون بنفس الميزان، بل في مواضع كثيرة تعاطف مع البدون على حساب الكويتي.. سعود السنعوسي وفوزية السالم تم نقدهم نقدا قاسيا من قبل كتاب البدون، على الرغم من إن السالم نقدت المجتمع الكويتي ككل، والسنعوسي كذلك، فكأن ما أرادته هذه الفئة هو أن يتم تزيين صورة البدون على الإطلاق، وتقبيح صورة الكويتي على الإطلاق، وهذا دليل على سطحية وتفاهة البعض.
* مما سبق يتضح إن ما قدم من نقد كان نقدا مجانبا للدقة الموضوعية، ويكشف عن طبيعة تعاطي المثقف الكويتي/ البدون مع نجاح أي مبدع في المجتمع، ولنا فقط أن نتذكر كيف تمت مهاجمة الأديب طالب الرفاعي عندما اختير محكما في البوكر، و الاعتراضات الفيسبوكية على كونه محكما في مهرجان سينمائي، ومحاولة البعض من تقليل أهمية منصبه الجديد كمستشار لوزير الأعلام، هذا يعكس علاقة التآخي بين مثقفي المجتمع الكويتي الذي هو انعكاس حقيقي لوحدة صف المجتمع الكويتي حاليا.
كذلك يجعلني أن ألفت نظر القراء الكرام لفرحة الأخوة في الجزائر عندما فاز الشاب الأكاديمي الروائي عثمان ملاوي صاحب رواية «بوكو حرام» بجائزة أثر للرواية العربية، فبعد نصف ساعة من الخبر تم البحث عن معلومات عن الفائز ونشر ذلك في مواقعهم الالكترونية والاهتمام بالمقالة التي كتبتها حوله رغبة مني بمشاركتهم هذه الفرحة ، لذلك يؤسفني أن أسمع بين فترة وأخرى مقالات وحفلات حش فيسبوكية علنية تعترض بطريقة خفية على فوز سعود السنعوسي و ساق البامبو، وهذا يعني إن سعود في كل نجاح قادم سيحارب ليس لأسباب منطقية، بل بدافع تحطيم أي إبداع محلي يتجاوز موهبة محيطة بسنوات ضوئية.

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مدينة الأحلام

هلا فبراير .. إلى من يهمه الأمر!

كيف تغني الكويت من دون صوتها؟